رواية معراج: السؤال الوجودي الذي حرك كل شيء رواية معراج: السؤال الوجودي الذي حرك كل شيء

كتب: رياض حَمَّادي

الحرب في رواية "معراج" لعبدالله شروح، هي المحرك للأحداث. في الأخير تأكل الحرب الأخضر واليابس، وتكون وبالًا على الجميع. لكن الرواية لا تبدأ من هنا. تبدأ بطفل تشغله فلسفة السماء لا هموم الأرض. تبدأ بسؤال عن الله يوجهه الطفل (إبراهيم) لأمه. وفي سؤال البداية هذا استعداد لسؤال ما بعد الموت، الذي تختتم به الرواية، لنكتشف بهذا البناء الدائري أن السؤال الختامي هو المحرك للأحداث.

في سؤال البداية استعارة لقصة النبي إبراهيم ورحلته للبحث عن الهوية العقائدية. السؤال الذي بدأ عن السماء ينتهي في ختام الرواية بسؤال في السماء، أو القبر، لكن هذه المرة يختلف السائل. وفي جواب إبراهيم عن السؤال دلالة تقول: الإجابة ليست بهذه البساطة؛ عليك أن تعيش الحياة، كما عشتها، بكل تفاصيلها لتدرك الجواب. هنا يكمن أحد أسرار الرواية الذي ظل السرد محافظًا عليه حتى الختام وذلك بمخاطبة السارد المشارك، إبراهيم، لما سيُظن- طوال أحداث الرواية- أنه القارئ ليكتشف القارئ أن المعنِي شخص آخر، لا يُحسن الكشف عنه لغرض التشويق. هكذا فعل سالينجر في رواية "الحارس في حقل الشوفان".

ثمة استعارة أخرى لقصة قابيل وهابيل نجدها في صراع الأخوين على امرأة. والرواية كلها استعارة كبرى للدين بدءًا من العنوان "معراج". وثمة عنصر آخر للتشويق يكمن في شخصية علاء، مزدوج الهوية، وعنصر ثالث في سر جريمة التل ومرتكبها. خيوط أمسك بها الروائي بإحكام وأدارها بلغة محكمة.

يمضي السارد في تقصي رحلته للتعرف على الله منذ أولى لحظات وعيه الطفولية. وهذه رحلتنا جميعًا، وليست رحلة إبراهيم فحسب. "وخلال هذه الرحلة كان لا بد له من المرور بمواضيع وجودية عديدة يتشكل من مجموع تأثيراتها تصوّره عن الله: تأثير الأسرة (الأب، الأم، العمّة، الشقيقان، العم وابنته) المدرسة، المسجد (الشيخ أبو يزيد)، الصداقات (عائشة، يزيد، علاء، علا، أم عائشة)، والآثار النفسية المدمرة التي قد يتعرض لها الطفل بسبب سطحية هذه المؤسسات في جهودها التربوية الجامدة. كيف يتطور تصور الفرد عن الله كلما انتقل من مرحلة عمرية إلى أخرى، من بيئة اجتماعية وفكرية إلى أخرى، ومن وضع اجتماعي إلى آخر. وفي رحلة السرد يلامس "إبراهيم"، ثنائيات إشكالية: العزلة والاجتماع، الجسد والروح، السبب والنتيجة، الإنكار واليقين، السلم والحرب."

رواية تملك رؤية تقولها دون مباشرة أو خطابية، أو وعظ، وتنبئ عن روائي متمكن من لغته ومن عناصر السرد. تقترح رواية "معراج" الحل ولا تقدم إجابات جاهزة. والحل كامن في السلام الذي بدأت به الرواية. في ذاك الجو الطفولي وأسئلته الوجودية. تلك الأسئلة الكبرى التي سرقتها الحرب لتقول إن الفلسفة لا تنمو وسط أصوات السلاح وعواقبه.

رياض حَمَّادي

 

الرواية فائزة بالمركز الأول في جائزة السرد اليمني- حَزَاوي