التراجيديا وفسحة الأمل.. في رواية "سميتها فاطمة" التراجيديا وفسحة الأمل.. في رواية "سميتها فاطمة"

  

علي عبدالله العجري

مدخل:

رواية "سميتها فاطمة" فاجأت المشهد السردي اليمني بحصولها على المركز الأول في حائزة السرد اليمني (حزاوي) في دورتها الأولى، 2022م. هذه الصدارة جعلت الرواية في ساحة الضوء وأقلام الكتاب ومحط الأسئلة: ما هي عناصر القوة الدافعة التي رآها محكمو الجائزة وأوصلت الرواية إلى المركز الأول في مسابقة واسعة النطاق يمنيًا؟

سؤال سأحاول الإجابة عليه بالوقوف المتأني على عوالم الرواية في القراءة التالية، ولكن قبل ذلك سأذهب إلى تعريف سريع بالكاتبة:

مياسة النخلاني المولودة في تعز؛ قد لا يعرفها الكثير في الوسط الروائي قبل فوزها بجائزة حزاوي. على الرغم من أنها أصدرت قبل ذلك رواية بعنوان "لقاء قريب"، ويبدوا أنها تخلصت من عثرات البدايات في هذه الرواية الأولى وانطلقت نحو الرواية الفائزة باحترافية وثقة. وكانت النخلاني قد نشرت أيضًا بعض القصص القصيرة في صحف ومجلات محلية وعربية إضافة إلى مجموعة قصصية للأطفال.

نظرة عامة على رواية "سميتها فاطمة":

تقع الرواية في مئة وثمانين صفحة من القطع المتوسط، صادرة عن مؤسسة حزاوي للتنمية الثقافية، 2023م. وتتكون من خمسة فصول متفاوتة التقسيمات، حسب تصاعد الأحداث وتحولاتها.

تتحدث الرواية عن فتاة اسمها فاطمة من قرية جبل صبر. البنت الثالثة لرجل فقير تَسلَّط عليه أخوه الأكبر وحاول التحكم في مصير بناته الثلاث، لكن الأب هرب إلى مدينة تعز حيث عمل خياطًا وتزوجت البنت الكبرى والوسطى في المدينة، فيما تزوجت فاطمة بشاب من أسرة ثرية في صنعاء وانتقلت معه إلى العاصمة. وعند خروجها من المنزل فارق أبوها الحياة ملتحقًا بأمها لتصبح يتيمة. تكتشف فاطمة أن زوجها لا يحبها ولم يرغب في الزواج منها، وإنما تزوجها حسب رغبة أسرته، فيما كان هو يريد الزواج بزميلته في الجامعة.

تتعرص فاطمة للعنف والإهانة من قبل زوجها حسن، وفي إحدى المرات كاد أن يجهض جنينها وهي في شهرها السابع لولا تدخل أخوه الأصغر "محسن " للدفاع عنها وعن جنينها. وأثناء العراك سقط الزوج مغشيًا عليه وتوفي بأثر الحادث. وبعد موته ظهر العم المتسلط من جديد مطالبًا فاطمة بالعودة إليه. فبادر محسن إلى الزواج بها رغم فارق السن. ستحاول فاطمة رد الجميل لزوجها الجديد مغدقة عليه حبها وستقف إلى جانبه في كل نكساته، بل دفعته للزواج بامرأة ثانية تنجب له الأولاد من صلبه بعد أن عجزت هي عن ذلك.

لكن الزواج بالثانية غيَّر مجرى حياة فاطمة وولدها خالد، ابن حسن، الذي تراكم في قلبه الحسد والكراهية لابن خالته سعيد ووصل ذروته عند اكتشافه أن محسن ليس والده وإنما عمه الذي رباه وكان السبب في موت أبيه. ينعكس ذلك على صحته النفسية فيعيش في عزلة وكوابيس وشعور عميق باليتم مع عدوانية وكراهية لعمه وولده سعيد الذي سافر إلى أمريكا للدراسة وعاد ليدير تجارة والده متفوقًا على خالد؛ اليتيم والمنعزل.

تتصاعد بعدها الأحداث في التأزم والصراع والتعثر بالأسرار التي تتكشف تباعًا، وتساهم في حل العقد حتى تنتهي الرواية بمشهد سينمائي سعيد يجتمع فيه شمل الأسرة ويتناسون أوجاعهم بفضل تضحيات فاطمة وصبرها وحكمتها وتسامحها.

مفارقات العنوان ورمزية الغلاف:

العنوان: مكون من جملة فعلية؛ فعل وفاعل ومفعول، "سميتها فاطمة"، وفي الغالب تأتي أسماء الروايات جملًا إسمية، لكن مياسة اختارت النادر، مع ما في ذلك من مغامرة؛ كون الجملة الفعلية مقيدة وغير ديناميكية، فيما العنوان يفترض فيه الانفتاح والإطلاق. ومع ذلك، العنوان في هذه الرواية مفتوح على أكثر من تأويل وتفسير: من الذي سمَّاها؟ هل الكاتبة أم الأب الذي أنجبها ثم ما علاقة هذا العنوان المقتبس من القرآن الكريم، "سميتها مريم"، بسياق قصة مريم أم النبي عيسى؟! إذًا، هذا العنوان الإشكالي يجعل القارئ يضع أكثر من احتمال وتأويل للاسم.

أما الغلاف فنرى فيه تلك المرأة المتشظية بجانب النافذة وهي تتطلع إلى الأفق البعيد وهي ترتب باقة ورد كدلالة موحية وعتبة مفتاحية للنص.

أهداف الرواية ودلاتها:

هذه الرواية تهدف بوضوح إلى معالجة جملة من القضايا في المجتمع اليمني وتقف على أهم مشكاله المزمنة. منها الصراع بين الإخوة الذي امتد في الرواية لثلاثة أجيال، ابتداء من الجد الذي سلم كل شيء لولده الأكبر في قرية جبل صبر. هذا الابن الكبير سيتسلط على أخيه، أبو فاطمة، ويحاول الاستحواذ عل بناته بحجة عدم إنجابه للذكور. سيتكرر هذا الصراع بين الأخوين حسن ومحسن، ثم بين خالد ابن حسن، وسعيد ابن محسن. وكانت الكاتبة قد أوردت مقطع من سورة يوسف وصراعه مع إخوته من أبيه على سبيل الإيحاء بقدم هذا الصراع وجدليته كصورة من الصراع بين نوازع الخير والشر في النفس البشرية.

الدلالة الثانية في الرواية التي هدفت الكاتبة إلى الاشتباك معها، هي معاناة المرأة اليمنية: استعمالها كمتاع، والتمييز ضدها وهي طفلة، ووضعها في مرتبة أدني من الطفل الذكر، ثم وهي زوجة نراها مقهورة ومقموعة. هذا الوجع تكثف في حالة فاطمة، بطلة الرواية؛ رغم أنها في نهاية الرواية كسرت هذه النمطية وحجزت لها مكانًا في التأثير الإيجابي في مسار الأحداث.

ومن الدلالات التي سعت الرواية لإبرازها: الفقر الذي جعل أبا فاطمة يزوجها وأختيها لأول الخاطبين؛ حتى تتأمن لهن الضروريات المعيشية والستر. واليتم كان موضوعًا بارزًا أيضًا في متن الرواية من أولها إلى نهايتها وتكثف في فاطمة وولدها خالد. أما الهدف الأبرز في الرواية فيتجسد في إبراز قيم الكفاح والصبر والحكمة والتسامح. القيم التي بها يمكن التغلب على كل التحديات والإشكالات السلبية التي تَقدَّم ذكرها. وهذا ما سيكتشفه القارئ في نهاية الرواية.

الرهانات في الرواية:

وتنقسم إلى قسمين: رهان خاص بالكاتبة، ورهان خاص بشخصيات الرواية. وسنبدأ برهانات الشخصيات حسب ظهورها على مسرح الأحداث:

محمد، الأخ الأكبر لوالد فاطمة: راهن على التسلط في أخذ ميراث أخيه؛ بحجة عدم إنجابه للذكور، ثم راهن على زواج فاطمة وأختيها بأولاده. وقد نجح في الرهان الأول وخسر الرهان الثاني.

قائد، أبو فاطمة: راهن على التضحية بالميراث من أجل إبعاد بناته عن تسلط أخيه الجشع ثم راهن على تعليمهن وتزويجهن بمن يخترنه. وقد نجح في الرهان الأول وخسر الرهان الثاني؛ حيث قام بتزويج بناته من أول خاطب لهن بسبب الفقر، فلم يكن لهن إرادة في الاختيار أبعد من إرادة الأب والأم.

فاطمة، بطلة الرواية: راهنت أولًا على التضحية من أجل مساعدة الأسرة وقبلت بالزواج من رجل لا تعرفه، ثم راهنت على الصبر لتغيير سلوك الزوج العدواني. كما راهنت على التضحية والحب في رد الجميل لزوجها الثاني، محسن، الذي دافع عنها وتزوجها عندما أراد عمها استرجاعها بعد وفاة زوجها الأول. ثم رهانها على تزويج محسن بزوجة ثانية لكي ينجب ابنًا من صلبه. وأخيرًا راهنت على الصبر والحكمة والحنان في تغيير سلوك ابنها. وبذلك تكاد فاطمة قد نجحت في كسب رهاناتها كلها لكن على حساب سعادتها.

حسن: راهن على العدوانية والعنف لتطفيش زوجته فاطمة التي اختارتها له الأسرة لكنه فشل في رهانه.

محسن: راهن على تعويض فاطمة عما فاتها عندما كانت زوجة لأخيه حسن. كما راهن على أن يكون خالد، ولد حسن، ابنًا له وساعده الأيمن. كسب الرهان الأول وخسر الثاني بسبب زواجه وإنجابه من امرأة أخرى غير فاطمة.

خالد، ابن حسن: راهن على العدوانية والعنف والانعزال والكراهية لتعويض إحساسه باليتم. نجح في البداية في هذا الرهان لكنه تغلب على هذه المشاعر في نهاية الرواية بفضل أمه.

سعيد بن محسن: راهن على الواقعية في التعامل مع خالد ومحيط أسرته المضطرب. وقد نجح في الرهان لكنه فضل الاغتراب في أمريكا على البقاء في محيطه.

كنزة، أخت سعيد: راهنت على الحجة والمنطق في التوفيق بين خالد وسعيد. وقد نجحت.

أما رهان الكاتبة مياسة النخلاني فتركز على نقد العادات والتقاليد السلبية في المجتمع ومعالجتها.

القوى الفاعلة في الرواية:

القوى الفاعلة كثيرة. لكن نكتفي بالإشارة إلى أهمها كالشخصيات، وأبرزها فاطمة، محسن، خالد. ومن القوى الفاعلة كذلك، المشاعر: من حب وكره وعنف وصبر وتسامح. كما كانت الأماكن فاعلة في تصاعد الأحداث، كما هو الحال في مدينتي تعز وصنعاء، وبيت محسن النجار الكبير وشقة فاطمة الصغرة وابنها خالد. أيضا المستشفى كان فاعلًا في إنقاذ فاطمة وعودتها إلى مسرح الأحداث.

يمكن أن نستعين بنموذج العاملي للفرنسي (غريماس) للتعامل مع بطلة الرواية فاطمة، التي تمثل عامل الذات الذي يشتبك مع عامل الموضوع المتمثل في الصبر والتضحية. والعامل المرسل هنا هو القهر والفقر والصراع بين الإخوة. فيما العامل المستقبل يكون كل المجتمع اليمني. أما العامل المساعد فنراه في: الأب، الأختين، الزوج محسن، ابنيه سعيد وكنزة. وفي الطرف الآخر يكون العامل المعارض، وهو التسلط والمتمثل في العم محمد. العدوانية والكراهية المتمثلة في الزوج حسن والابن خالد. لكن هذا العامل المعارض لم ينجح؛ لأن عامل الذات، فاطمة، كان أقوى منه.

الأبعاد في الرواية:

تشتمل رواية "سميتها فاطمة" على ثلاثة أبعاد أو منظورات رئيسية. البعد الأول: نفسي حيث نرى عقدة الاستحواذ والتسلط في شخصية محمد، عم فاطمة. وعقدة الهروب عند أبيها قائد. والهيجان العصبي عند زوجها محسن. ثم عقدة الإحساس بالذنب والهشاشة في شخصية محسن. أما فاطمة فقد تجلت فيها حالات نفسية وترسبات بسبب الفقر والتعنيف واليتم في مقابل روح التسامح ورهافة المشاعر والاستعداد للتضحية. أما شخصية خالد فكانت المثال الأوضح للبعد النفسي في الرواية من حيث الاضطراب والخوف والعدوانية والكراهية والانعزال الاجتماعي والكوابيس وغيرها مما يجده القارئ في ثنايا الرواية. لكن الإحساس باليتم هو الأكثر بروزًا وتأثيرًا على نفسية خالد وهو ما جعله يشعر بالوحدة والضياع والغموض بشأن مستقبله. إضافة إلى مشاعر الغضب والإحباط تجاه الظروف التي أدت إلى فقدان والده. كما واجه خالد مشاكل صحية نتيجة للتوتر النفسي والعاطفي الذي عاشه وكان نتيجته اضطرابات النوم وفقدان الشهية والقلق والاكتئاب.

ثانيًا، البعد الاجتماعي: عكست رواية "سميتها فاطمة" واقع المجتمع اليمني وأشكال الصراع فيه. ما جاء في هذه الرواية نراه يتكرر باستمرار أمام أعيننا، إلا أن مياسة النخلاني استطاعت التقاطه وتحويله إلى خطاب روائي مدهش كثف لنا القضايا الاجتماعية مثل التسلط الأبوي للأخ الأكبر والعادات والتقاليد السالبة للحرية. الزواج المبكر واحتقار المرأة وإهانتها: "وهل عندنا بنات يؤخذ رأيهن!" ص ٣٤، "يسحبن من ساحة اللعب إلى مقصلة الزواج". فاطمة هي التجسيد الواضح للنساء في الواقع الاجتماعي اليمني: "لم يكن أمامها من مفر سوى الصبر على حسن وطباعه التي لا تطاق والتي تعدت الشتيمة في وقت لاحق للتعدي بالضرب".

ثالثًا، البعد الديني: ونراه في عنوان الرواية "سميتها فاطمة" الذي يتناص مع قوله تعالى: "سميتها مريم"، ثم نلاحظ ذلك في الربط بين صراع الإخوة المتتابع مع استحضار مقاطع من سورة يوسف "لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين..."

ثم محاولة خالد الهرب من كوابيسه إلى القرآن والدين، وكذلك فعل عمه محسن الذي اختلى بنفسه ليواجه التحديات بالتدين. أيضا نجد في الرواية إشارات دينية منها سماع صوت الآذان...الصلاة، الرضا بالقضاء والقدر... إلخ. إضافة إلى أن البعد الديني كان عاملًا وازنًا في انضباط إيقاع الحياة والمجتمع المتأزم في الرواية.

البنية والتقنيات والخطاطة السردية:

بدأت الكاتبة السرد في الفصل الأول من منتصف الأحداث؛ من حالة ابنها النفسية وصراعه مع الأرق والأشباح والكوابيس. وكانت قد استهلت الرواية بمدخل فلسفي جدلي قصير حول الظاهر والباطن. وللوهلة الأولى يظن القارئ أن هذا المدخل لا علاقة له بأحداث الرواية ولكن مع الغوص قليلًا في التفاصيل تُفهم رمزية هذا المدخل الجدلي ودلالاته التي تفتح النص السردي على قراءات متعددة حسب وضعية الوعي والاطلاع عند المتلقي.

ثم تقوم الكاتبة في الفصل الثاني بفلاش باك، والرجوع إلى بداية أسرة فاطمة في جبل صبر وانتقالها إلى تعز، وهي محطة مهمة في التصاعد السردي تؤسس لما بعدها من أحداث. وفي الفصل الثالث تتزوج فاطمة من حسن وتنتقل إلى صنعاء، وتبدأ نقلاتها الحزينة والسعيدة. وهنا نجد العنصر المخل في السرد، أي العنصر الذي وجّه الأحداث والسرد في وجهة جديدة غير التي كان عليه.

في الفصل الرابع نقرأ عن عجز فاطمة عن الإنجاب. هنا تتصاعد الأحداث والتعقيد والتأزم لتصل إلى ذروة العقدة الدرامية التي تتشكل مع بدايات الفصل الخامس. في الفصل الخامس والأخير تخرج فاطمة إلى شقة صغيرة مع ولدها خالد وتبدأ معاناتهما مع تفاقم حالته العدوانية. لكن السرد هنا ينتقل من ذروة التأزم والصراع إلى وضعية الحل، القائمة على اكتشاف الأسرار والبدء في المراجعات النفسية والذاتية من قبل خالد وسعيد.

في هذا الفصل نلاحظ كذلك الاتجاه نحو الخاتمة، ويبدأ ذلك من المقاطع ١١- ٢١- ٣١. وعودة فاطمة من المستشفى وتجمع الأطراف المتنازعة، لتبادل الاعترافات والغفران ثم المصالحة والمحبة كنهاية سعيدة للرواية.

استخدمت الكاتبة في مخططها السردي تقنيات عدة منها: الاسترجاع (فلاش باك)، الإيهام، مثل إيهام القارئ بوفاة فاطمة في المستشفى ثم إعادتها إلى الحياه من جديد.. كذلك الإيهام باستفحال حالة خالد النفسية، لكنه في الفصل الأخير من الرواية يعود لسويته... وغيرها من الإيهامات التي سيجدها القارئ مبثوثة في الرواية. ومن التقنيات كذلك التناص، سواء مع القرآن الكريم في قصة يوسف وإخوته، أو مع رواية "الخيميائي" للبرازيلي باولو كويلو، وكلا الكاتبان- باولو ومياسة- متأثران بالنزعة الدينية.

استخدمت الكاتبة أيضا، الترميز والإحالات إلى واقع أشمل من واقع الرواية. قد يكون الواقع اليمني كله وصراع الإخوة الأعداء. ولا ننسى هنا الإشارة إلى رمزية شجرة البرتقال التي غرستها فاطمة في حديقة البيت وربطها بشجرة مماثلة في تعز. وكأن هذه الشجرة هي فاطمة نفسها تجف معها وتخضر وتثمر معها، كترميز إلى عطاء المرأة، حين يُعتنى بها، أو جدبها في حالة الإهمال. كما استخدمت الكاتبة تقنيات الوصف بطريقة غير محسوسة لا تركز على الوصف الخارجي للشخصيات، بل على الوصف الداخلي، من مشاعر ونوازع وتوجهات. وفي جانب الحوارات اعتمدت مياسة على الحوارات المقتضبة حسب حاجة السرد، مفسحة المجال للمونولوجات والحوارات الداخلية الكثيفة مع الشخص وذاته. وقد نسجت مياسة من كل تلك التقنيات نصًا مشوقًا لا يمله القارئ.

أما رؤيتها السردية فكانت "رؤية من الخلف"، عبر السارد العليم، بكل تفاصيل شخوصها وأحداثها وأسرارها.

الزمان والمكان في الرواية:

نرى الكاتبة وهي تقف على إشكالية الزمن في اليمن المعاصر وعلاقتها بالمجتمع والأفراد. وينقسم الزمن في الرواية إلى: زمن طبيعي؛ صباح، مساء، فجر، نهار، ليل، منتصف الليل، أيام، شهور، سنوات... إلخ. وزمن نفسي مرتبط بالحالة النفسية: الكوابيس، الأرق، والحزن، لحظات كأنها دهر، زمن الانتظار والترقب والخوف والأمل ولحظات الاغتراب والفقد والاشتياق...إلخ.

المكان في الرواية كذلك ينقسم بدوره إلى قسمين: أماكن مفتوحة؛ قرية جبل صبر، مدينة تعز، مدينة صنعاء، أمريكا، الجامعة، المطار. الشوارع الحديقة.. وأماكن مغلقة: المنزل، المستشفى، الشركة، مقر العمل، شقة فاطمة الصغيرة، غرفة خالد، غرفة محسن.. وغيرها من الأماكن التي دارت فيها الأحداث.

اللغة وتوظيفاتها في الرواية:

في المجمل انطلقت الكاتبة من الواقعية النقدية وحاولت استخدام التعابير اللغوية المناسبة وتدرجت في مستويات اللغة من الرمز إلى الإيحاء إلى التفصيل والمحاججة وصولًا إلى التشخيص والمعالجة.

ومن الملاحظ أن الكاتبة لم تعتمد لغة مصطنعة أو أساليب بلاغية معقدة أو مقعرة، وإنما كانت لغتها سلسة سهلة أقرب إلى لغة الناس العاديين. لكن لهذه اللغة مستويات حسب الشخصيات؛ مثلا: لغة متسلطة من قبل محمد عم فاطمة، لغة مهادنة من قبل قائد أبيها، إلا فيما يتعلق بمصير بناته فكانت لغته متمردة ومتحدية، أما فاطمة فإن مستوى لغتها متكئ على التسامح والحكمة واللين والحجة.

ويمكن أن نجد في الرواية مستوى لغوي روحاني، فيه السكينة، سيما عند التوسل بالقرآن الكريم والتضرع والمناجاة لله. كما نجد مستوى آخر يتمثل في خطاب الكراهية والعدوانية وقد تمثل هذا المستوى في حسن وابنه خالد إلى حين.

والخلاصة أن رواية "سميتها فاطمة" رواية مكتملة الأركان ومتقنة الصنعة أهَّلها للحصول على المركز الأول في جائزة "حزاوي" عن جدارة واستحقاق.