رياض حَمَّادي
رواية حقوق الرائحة محفوظة- القائمة القصيرة
في رواية "حقوق الرائحة محفوظة" تتخذ الروائية سيرين حسن من مرض الصرع وسيلة أدبية مجنحة بالخيال للحديث عن شخص (جلال) يمتلك قدرات خارقة، منها استشعاره رائحة الموت في أجساد الناس قبل موتهم بزمن وجيز. حول هذا المرض، أو اللعنة كما يطلق عليه جلال، سيتمحور الصراع في الرواية بين التفسيرات المختلفة لما يعاني منه جلال والتي تنقسم إلى قسمين: خرافي، تنسبه إلى الجن والتهيؤات وتحاول علاجه بحروز الدجالين وقراءة القرآن، وتفسير علمي تحاول علاجه بالعقاقير الطبية. لكن هذا الصراع لا يفضي إلى نتيجة؛ فحالة جلال تصاحبه منذ طفولته إلى لحظة وفاته. وتنتهي الرواية بتحذير من تسلل الرائحة إلى فريسة قادمة، في دلالة على احتمال استمرار الحالة في آخرين غير جلال.
هذه النتيجة، أو الخاتمة، تجعل العلم والخرافة سواء في حلبة هذا الصراع؛ ربما لأننا لسنا أمام حالة مرضية يمكن علاجها بالدواء، وإنما هي حالة نادرة متخيلة ينبني عليها سرد فنتازي لا يعد برؤية أو دلالة رسالية أو أخلاقية من أي نوع.
جلال نفسه لا يعلم لمَ مُنح هذه القدرات الخارقة. يجعله الصرع يقوم برحلات دخانية، تنفصل فيها روحه عن جسده لتحلق في السماء مطلعةً على أسرار الناس واستشراف لحظة موتهم القريبة. لكنها قدرات خارقة بلا جدوى؛ إذ لم يستطع حماية المقربين منه أو الحيلولة دون وقوع ما يخشاه لهم.
المميز في هذه الرواية هي قدرة الروائية على توصيف الحالة التي يمر بها جلال خلال فترة الصرع وخلال رحلاته الدخانية، بلغة متماسكة وتفاصيل دقيقة لا تتكرر رغم تكرار الحالة المرضية. لكن دقة هذا الوصف وجزالته لا يحمي الرواية من الوقوع في الرتابة الناتجة عن اجترار الحالة نفسها طوال حياة جلال الطويلة.
تبدأ الأحداث من المنتصف تقريبًا، وجلال الشاب يفر من بين أحضان بائعة هوى؛ بسب رائحة الموت التي تطارده رغمًا عن العطور التي تضعها المرأة. بعد هذه الافتتاحية يعود السرد إلى لحظة ميلاد جلال ثم طفولته وشبابه وانتهاء إلى شيخوخته وشيب شعر رأسه. يتخلل هذا الترتيب الزمني ومضات مفاجئة للقارئ بتقنية الاستباق. تلك الومضات التي تُفصَّل لاحقًا بالمزيد من التوضيح. مثل زواجه برجاء ثم علاقته بحنان وإصابته بالإيدز.
تظهر الحياة الشخصية لجلال كهامش أمام سيادة وصفه لحالته الغربية، بضمير المتكلم، ما يجعل الفنتازيا تغلب على الواقعية في هذه الرواية. وتنتهي بفصل أخير، من صفحة، لسارد عليم مجهول الهوية يسدل الستار على المذكرات التي تركها جلال.
الإعلاء من قيمة العجائبية هو انتصار للخرافة بخاصة عندما توضع هذه في صراع مع العلم. لكن: ألا يؤيد الواقع هذه النتيجة؟ هذا يعيدنا إلى الجدل حول وظيفة الأدب: أن ينتهي إلى ما هو كائن أو أن ينتصر لما ينبغي أن يكون. يذهب جلال للطبيب النفسي، وبدل أن يصف له ما يعانيه وفق المنهج العلمي والتحليل النفسي يعطيه كتاب محمد بن أحمد القرطبي "التذكرة بأحوال الموتى والدار الآخرة". وهو كتاب يتناول كل ما يتعلق بالموت، من منظور ديني: "فائدة ذكر الموت، زيارة القبور، خروج نفس المؤمن والكافر، سكرات الموت، ما يصير إليه الإنسان، مقدار ألم الموت، تفاوت المخلوقات في الشعور بهذا الألم، رسل الموت قبل الوفاة، وسبب قبض ملك الموت أرواح الخلق، وبيان معنى الإسراع بالجنازة، وغير ذلك من المحاور التي تناول فيها مسألة الموت والدار الآخرة."
ثمة انتصار آخر للتفسير الخرافي في القول المتكرر بإن ما يعاني منه جلال ناتج عن المعاصي التي يقترفها، ولذلك يلجأ للتوبة طلبًا للعلاج، لكن حتى التوبة لا تنقذه مما هو فيه.
في مرحلة التيه التي مر بها جلال في شبابه اختارت الروائية لبطلها أن يكون مناضلًا- مع مجموعة من رفاقه الشباب- في قضية هامشية لم تحدد ملامحها بدقة. قد يبدو هذا عيبًا، أو ميزة، كما أرى. حال جلال هنا ورفاقه يشبه "دون كيشوت" في رواية ميجيل سيرفانتيس. في غياب التنانين يحارب دون كيشوت طواحين الهواء، إنه فارس يبحث لنفسه عن قضية يدافع عنها ليعبر بذلك عن حالة الضياع التي يمر بها المرء في شبابه. بعد اكتشافه لغبائه، بعد فوات الأوان، يموت دون كيشوت على سريره، وعلى السرير نفسه يموت جلال.
لكن هذه الميزة تُضمر مأخذًا يكمن في دلالة التيه التي تشير إلى أنه تيه لا يتأسس على واقع مرير وإنما هو حالة خاصة مرافقة لمرحلة عمرية، أو حالة متخيلة الهدف منها خلق سرد فنتازي يصب في صالح اللعب أو الفن للفن. ثمة جثث كثيرة تستشرفها بصيرة جلال ورحلاته الدخانية، لكن ما من جهة توجَّه لها أصابع الاتهام والنقد. بهذا تصبح الرواية مجرد لعبة فنية. لكن في حالة اعتبار التيه هو موضوع الرواية ورسالتها فإنها بذلك تمتلك رؤية واعية لما تريد أن تقوله.
رواية دويستوفيسكي في صنعاء- مخطوطة- القائمة الطويلة
تصور رواية "دوستويفسكي في صنعاء" لنبيل الدعيس، أثر العام على الخاص، أثر الجماعة على الفرد. هي رواية واقعية، "وحقيقية جدًا" كما تصفها العتبة الافتتاحية، "قد يختلف أبطالها، أزمنة وقوعها، مكان حدوثها، لكنها حقيقية.. حقيقية جدا.. وهذا ما يؤلمني!"
يتناوب السرد في الرواية شخصيتان: سليم ولمياء، في خطين سرديين، يروي كل واحد منهما يومياته، بمعزل عن الآخر، ثم يلتقيان على نحو صادم في البداية، لكن الأيام تلطف الجو إلى أن يقعا في حب مستحيل.
يمر سليم بكثير من الأزمات التي تسبب له الاضطرابات النفسية وتدفعه للهروب إلى الخيال، فيتخيل قصصًا وهمية لكل من يراه من حوله. ولمياء، هي النقيض لشخصية سليم، تعمل مديرة لشركة، وقد مرت ببعض المنغصات في حياتها، لكنها من الصنف المتفائل. تحاول لمياء إخراج سليم مما هو فيه، وحين يبدأ بالتماثل للشفاء يظهر نور الدين، الذي يتسبب في انتكاسة سليم.
شخصية سليم الدويستوفيسكية المضطربة تمنعه من أن يعيش حياته بسلام، وسنعرف لاحقًا أن فقدانه لأبيه وأمه وإخوته دور في انتكاساته إضافة إلى ما فعلته الحرب في النفس، تلك الحرب والسياسة التي تدور في خلفية الأحداث لكنها توجه دفة الأحداث نحو نهايتها المفتوحة على المأساة.
اقتباسات من الرواية:
"التمرد بحاجة الى انقطاع الأمل في الإصلاح أما نحن، في البلدان العربية، فدومًا ما نملك أملًا ولو كان صغيرًا، ودومًا ما ننتظر شيئًا ولو كان تافهًا. ولأجل أن نرى الجانب الممتلئ من الكأس قد نكسر الكأس نفسه."
"هناك الآم لا نتخلص منها عن طريق بدء فرص جديدة، هناك مواجع تظل محفورة في القلب وتزورنا كل يوم، وحينها لا نريد أن نعيش جمال الحياة، كل ما نريده هو أن نتخلص من هذه العلامات التي في قلوبنا."
رواية شبح صغير- مخطوطة- القائمة الطويلة
تفتتح رواية "شبح صغير" لنجم عبدالله، عالمها بواقع مفجوع بالحرب. يضطر بطلها الصغير شبيل للانتقال إلى مكان آمن، ثم يجد نفسه في مغامرة للانتقال عبر البحر إلى مكان آخر مختلف. سيكون البحر وسيلة أشبه بثقب دودي، أو مركبة للسفر عبر الزمن إلى مكان مختلف تمامًا، مكان هو النقيض من كل ما يعيشه بطل الرواية. سينتقل من جحيم محكوم بالحرب إلى عالم محكوم بالعلم.
تسير الرواية في مساريين: اجتماعي، يتحدث عن الحرب، ومسار فنتازي أكبر يتحدث عن الخيال العلمي. في المسار الأول تتحدث الراوية عن الحرب وتبعاتها، وتكشف في مسارها الآخر كيف أن الجانب الآخر من العالم وصل إلى درجة من العلم لا تُصدق. وثمة مسار موازٍ يتحدث عن تراث الأندلس وجماله، وتاريخه، وأسراره الخفية التي يكشفها ويكتشفها شبيل للمرة الأولى. وبهذا الاستدعاء للتاريخ يريد أن يخبرنا أن أجدادنا القدماء بنو حضارة جديرة بالفخر.
وبعد رحلته يعود شبيل إلى قريته ليكتشف أن الواقع لم يتغير، بل ازداد سوءًا. بهذا تكون الرواية قد أبلغت رسالتها: لكي يتغير واقعنا الجحيمي إلى آخر محكوم بالعلم والمجد، علينا أن نختار السلام دائمًا.
اقتباسات من الرواية:
"لو ظهر لك مارد الفانوس يا أبي، وأخبرك أنه سيحقق لك أُمنية واحدة، واحدة فقط، ماذا ستختار؟
ابتسم (أبي) وقال:
سأقول له: أعطنا يومًا بلا موتی."
"الحرب تدمر كل شيء، لكنها تعجز عن تدمير الإنسان داخلنا."
"لا تصطف مع الحرب مطلقًا، إذا خيرت يومًا بين الحرب والسلام، فاختر السلام، حتى إن كنت واثقًا من كسب الحرب."
"لا توجد حرب أبدية يا بني، كل الحروب التي بدأت في الماضي انتهت، وكانوا يظنون أنها لن تنتهي، لكنها لم تنته بالنصر، انتهت بالهزائم."
"أن يذهب طفل إلى المدرسة بعكاز هي هزيمة! أن يعود طفلًا فرحًا حاملًا شهادة نجاحه ويرى اُمه على كرسي متحرك- بسب قذيفة طائشة– هي هزيمة! أن تنتظر الأم ابنها المخفي في الحرب لسنوات هي هزيمة! أن تمتلئ شوارع المدينة بشبابها وهم يمشون بقدم واحدة هي هزيمة! أن تقف امرأة ورضيعها على قبر زوجها- الذي غيبته الحرب- هي هزيمة! أن تسكن أُسُرة في خيمة على أنقاض بيتهم المدمر هي هزيمة! أن يخطب الجنرال عن النصر لشعب تناحر فيما بينه لسنوات، وسالت دماءه في الشوارع هي هزيمة! وأول الهزائم هي أن نسلك طريق الحرب، النصر في الحروب ليس سوى هزائم مغطاة بالورود."
رواية نُصب عينيها- مخطوطة- القائمة الطويلة
تدور أحداث رواية "نُصب عينيها" لعيشة صالح، في فترة زمنية تناهز أحد عشر عاما، وتعكس من خلالها قضية الفوارق الاجتماعية بين فئات المجتمع، وما ينجم عنها من مشكلات. تقوم الشخصيات الرئيسية والثانوية بتجسيد هذه المشكلات، وتتعرض كل شخصية لصراع مختلف عن الشخصية الأخرى، ولكنها تجتمع في محور واحد وهو رفع الستار عن الفاصل الوهمي بين فئات المجتمع، لا سيما شخصية هدى، بطلة الرواية، التي تخوض صراعات متعددة: مجتمعية ونفسية وعاطفية.
تميل أحداث الرواية إلى المأساوية، فبطلة الرواية هدى تعيش أحداثا مؤلمة تسهم في تشكيل شخصيتها وصقلها؛ لتخوض صراعا غير متكافئ مع شخصيات أخرى تمثل الجانب غبر العادل في المجتمع، مثل شخصية الرجل الذي يتسبب بأعنف منعطف في حياة هدى وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وشخصية مالك المستشفى الذي ظهر ليفاقم من حدة صراعها ومأساتها بعد مضي سنوات. هذه الأحداث المأساوية تحدث ندوبا في شخصيتها لازمتها طوال حياتها، وليست الندوب المؤلمة ما تلازمها فحسب، بل هناك الطموح والتحدي اللذان تدور أحداث الرواية حولهما. فهل تحقق حلمها وتنتصر في التحدي؟ أم تهزمها عوامل الترغيب والترهيب وتسير مع التيار؟ هذا ما تتصاعد به الأحداث وتكشفه النهاية.
بطلات هذه الرواية نساء، فإلى جانب هدى كانت والدتها سلمى، التي تلعب دورا محوريا في حياة ابنتها، وتجسد شخصية الأم المكافحة رغم غياب السند، حيث تفقد زوجها محمود الذي يعاني من حالة ذهانية، ومع أن محمود صامت في الرواية إلا أنه عامل مهم في خوض هدى لصراعها وتشكيل نفسيتها، وحالة الانتظار التي عاشتها وأمها، على أمل العثور عليه.
تقدم الرواية مثالا آخر للمرأة التي تقع ضحية للعادات والتقاليد، إلى جانب الفقر، من خلال أحداث تجسدها شخصية أحلام، صديقة هدى، وشريكة آلامها، ولكن مسار الأحداث مع أحلام ينقلب كلية إلى منحى آخر تكشفه أحداث الرواية.
وفي الرواية شخصيات تحاكي شخصيات الواقع، منهم من يشارك هدى صراعها ضد عادات المجتمع السلبية، ومنهم من يزرع العراقيل في طريقها، وفي نهاية الصراع يحدث لبطلتها ما لا تتوقعه جميع شخصيات الرواية.
رواية يوتوبيا المجانين- مخطوطة- القائمة الطويلة
توظيف الحلم في المحكي والمرئي الفانتازي شائع؛ فحين لا يمكن التعبير عن معنى بشكل مباشر تتدخل فنتازيا الحلم لتمرر ما لا يمكن أن يستوعبه العقل في الواقع. ومهمة الفنان، بما يمتلكه من خيال مبدع، هي القدرة على إلغاء الحدود بين الحلم والواقع. أي أن يصبح العالم حلمًا والحلم عالمًا كما قال الحكيم الصيني شوانج تسو: "حلمت ذات يوم أني فراشة، والآن لا أعرف إن كنت شوانج تسو الذي حلم بأنه فراشة أو إن كنت فراشة تحلم بأنها شوانج تسو".
وكتب نوفاليس رواية تحمل العنوان"هنريك فون أوفتر دينجن" عن شاب يدعى هنريك، يبحث في الواقع عن زهرة زرقاء رآها في الحلم. وهذه فكرة عبر عنها الشاعر كوليردج قائلًا:
وإذا كنتَ نائمًا
وإذا حلمت في نومك
وإذا ما ذهبتَ في حلمك إلى السماء
تقطفُ زهرةً جميلةً وغريبة
وإذا ما وجدتَ الزهرة في يدك بعد استيقاظك
فماذا تقول؟
هذه الحالة الحلمية اليوتوبية يعكسها منذر مصري إلى ديستوبيا، بضغط من الواقع، في مجموعته "الشاي ليس بطيئًا"، (ص 183). يقول:
"كنتُ وحشاً نائماً
يحلم بأنه
آدمي نائم
يحلم بأنه
وحش نائم."
تبحث أرياف التميمي في روايتها "يوتوبيا المجانين" عن تلك الزهرة، زهرة المدنية والحداثة، فهل ستجدها؟!
تنطلق فكرة هذه الرواية من ديستوبيا الواقع لتؤسس لحلم يوتوبي، ولكي يصبح هذا الحلم حقيقة تفتتح روايتها بإهداء "إلى كل يمني حالم." ليمثل هذا الإهداء دعوة لنا جميعًا للمشاركة، ليس في الحلم فقط وإنما في العمل لتحقيقه. إنها دعوة للعقلاء يطلقها المجانين، وتنطوي على تلميح بمصير العقلاء في بلد يفتقر إلى الحالمين.
تتخذ الروائية من تقنية مزج الحلم بالواقع منصة سردية لتحكي قصة يمنين: يمن يوتوبي متخيل يعيش في أوج ازدهاره العلمي والرفاهي، ويمن واقعي دمرته الحرب. هذا المزج هو توظيف لمصطلح علمي يسمى "الحلم الواعي" (Lucid Dream)، وفيه يُدرك صاحبه أنه يحلم، لكنه قادر على التحكم بحلمه وتغيير مجريات الأحداث فيه.
يبدأ السرد في مدينة صنعاء المتخيلة باسترجاع الساردة- مجهولة الهوية في هذه المرحلة- لحبيبها عادل الذي شجعها على الكتابة، كما تقول في فصل سابق للرواية. وفي فصل لاحق للرواية يستكمل مصعب التعزي رواية الساردة بخاتمة واقعية يستكمل فيها القصة اليوتوبية ليكتشف القارئ أن الساردة هي "حاملة قناني"، ماتت بحادث سيّارة وأن حبيبها عادل هو زوجها "الشهيد".
حكاية الساردة هي محاولة لبعث روح عادل، الذي على ما يبدو أنه مات مقتولًا. في حكاية الساردة، المجنونة، يعيش عادل في رفاهية، في مدينة صنعاء اليوتوبية، ولا يعكر صفو هذا السلام سوى السلاح الذي حرمه من والده. وبعد أن يصيب السلاح صديق والده عبداللطيف يقرر عادل تدشين مبادرة لمنع حمل السلاح. هل سينجح في الحصول على الأصوات اللازمة ليتحول الحلم إلى قانون واجب الاتباع؟
تتخذ الروائية من هذا الخط موضوعًا محوريًا ليكون بؤرة الصراع في الرواية: عن الخطوات والمتاعب التي يلاقيها عادل من أجل قبول مبادرته والبدء في التصويت عليها من قبل المجتمع. المأخذ على هذا الخيط أنه يفتقر للتشويق، ويطول إلى درجة أصابت هذه الجزئية من النص بالرتابة.
ثمة محطات يلتقي عندها الحلم بالواقع، من ذلك استغراب عادل مما يراه من مآسي في عالم الواقع، وتهكم الساردة أو سخريتها منه. ويمكن أن نرى في هذا التهكم إشارة إلى هؤلاء الذين يعيشون في أبراج عالية ويتعالون أو يتعامون عن رؤية الواقع المرير.
في الفصل اللاحق للرواية- الذي كتبه مصعب التعزي- سيعرف القارئ أن حاملة القناني دوَّنت حكايتها الممزوجة بالخيال. تلك الأوراق يأخذها عاقل الحارة، والد مصعب، إلى البيت، وبعد أن يقرأها مصعب يضيف إليها ملاحظاته التي يفصل فيها بين الحلم والواقع بمعلومات عن حاملة القناني تعيدنا إلى أرض الواقع المرير.
الفكرة هي البطلة هنا، لذلك لن نجد شخصيات متنوعة، كما لم تُستثمر بؤرة الصراع- الماثلة بين طرفين أحدهما يؤمن بحقه في حمل السلاح في كل مكان وآخر يحاول تشريع قانون يمنع حمله- في تقديم كل طرف للحجج التي يؤمن بها مثلما فعل توماس ديلان دانيال في قصة بعنوان "إقناع الناس" ضمن مجموعته القصصية "أبعد من البيت" (صدرت ترجمتها العربية عن دار ترياق 2021م).
مضمون قصة ديلان حوار- بين مندوب مبيعات يدعى بيل دوناهو وساقٍ في بار يدعى جيم- حول مضار حمل السلاح وفوائده، إن كان ثمة فائدة. يدافع بيل عن بقاء السلاح للدفاع عن النفس، بينما يرفض جيم ذلك؛ لأن سلاح الحماية قد يُستعمل في قتل صاحبه لا للدفاع عنه كما يجادل بيل. والخلاصة أن ثمة حجج قوية يقدمها الطرفان، في قصة ديلان، بخاصة حجج جيم، بما يسهم في "إقناع الناس" للعدول عن حمل السلاح، وهذا ما لم يُستثمر في رواية "يوتوبيا المجانين" التي تكتفي في صراع الطرفين على نتيجة تصويت الجمهور.
تدفع نتيجة التصويت بعادل إلى محاولة الهجرة، وعن طريق "الحلم الواعي" تحاول الساردة "حاملة القناني"، إقناعه بالعدول عن رأيه، وهو ما يفعله في الأخير، في إشارة إلى ضرورة الاستمرار في الكفاح من أجل تحقيق الحلم الذي يصبو إليه؛ لتكون صنعاء، واليمن عمومًا، مدينة يوتوبية تمامًا. وفي هذه الإشارة رسالة تحيل إلى واقعنا الحقيقي الذي لا ينبغي الهروب منه إلى عالم الحلم أو إلى العالم اليوتوبي، وإنما العمل من أجل تحقيقه على أرض الواقع.