محمد سعيد سيف
قاص وروائي
محمد سعيد سيف

محمد سعيد سيف، قاص وروائي يمني، توفي في (19 نوفمبر2020م).

كان من أبرز من تنشر قصصهم في الملحق الثقافي للثورة في السنوات الأولى من الثمانينيات مع عارف الحيقي وأحمد محمد العليمي. وكان نشطاً في السجال السياسي، وبالذات بعد أحداث ١٣ يناير 1986م.

كان ينشر عموداً يومياً اسمه "نافذة" في صحيفة الجمهورية، وكان اسمه يتردد كثيراً في أوساط الأدباء والكتاب بوصفه أحد أهم كتاب القصة القصيرة الشبان في البلاد. قصتان من قصصه القصيرة فازتا، لعامين متتالين، في مسابقة كان ينظمها المركز الثقافي في المدينة عامي 1978 و 1979، حينما كان لا يزال طالباً في مدرسة الثورة الثانوية. وبعد عامين فازت إحدى قصصه بالمركز الأول في مسابقة للقصة القصيرة نظمتها جامعة صنعاء في السنوات الأولى لتولي الدكتور عبد العزيز المقالح رئاستها، حين صار طالباً في كلية الآداب. وهذه القصة في الغالب هي قصة "انتظار" التي قامت الدكتورة سلمى خضراء الجيوسي بترجمتها باكراً ضمن قصص عربية أخرى وظهرت في عام 1988 ضمن مختارات الأدب العربي الحديث.

لم يستمر طويلاً في صنعاء، طالباً في جامعتها، وقرر العودة الى تعز والتفرغ للكتابة الصحافية في صحيفة الجمهورية، ومواصلة نشر نصوصه الأدبية "السردية" في مجلات الحكمة واليمن الجديد والثقافة الجديدة والمعرفة، والصحف السيارة الأخرى وعلى وجه الخصوص "ملحق الثورة الثقافي".

في تلك الفترة، وفي ذروة انتشارها، قامت مجلة "اليمن الجديد" بنشر روايته المميزة "شارع الشاحنات" في حلقات متتابعة، بين عامي 1985، 1986 وهي الرواية التي ستعمده كاتباً سردياً عالي القيمة والتجديد في اليمن. وإن نصوصه القصصية المتفرقة هي التي ستشكل مجموعته "تحولات الجدار" التي نشر نصوصها في المجلات والدوريات اليمنية خلال أعوام.

بعد أن ترك تعز، أواخر الثمانينيات، عاد الى صنعاء، وبإصرار استكمل متطلبات مواده الجامعية، بعد عقد كامل من تركه للدراسة في كلية الآداب، وهذه المرة استكملها في كلية التربية– قسم اللغة الانجليزية، وهو على عتبة الخامسة والثلاثين من عمره.

بعد أن وضعت حرب صيف 94 أثقالها، وهي التي أحدثت في روحه ثلمة حادة وغائرة، عاد للاستقرار في قريته "جَنِّنْ" في منطقة بني شيبة الغرب للعمل كمعلم لطلاب الثانوية هناك؛ وبعد خمسة أعوام من استقراره في قريته قامت مجلة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين المركزية "الحكمة"- وبمبادرة من رئيس تحريرها آنذاك الشاعر الراحل محمد حسين هيثم- بإصدار روايته "شارع الشاحنات" اعتماداً على نشرها المتسلسل في مجلة اليمن الجديد أواسط الثمانينيات، وبسبب خطأ تقني في إحدى الحلقات المنشورة، تداخل نصه مع نص القاص الراحل عبدالله بامحرز المعنّون بـ "حقول الإسفنج"، نشرت الرواية بهذا الخطأ الفظيع في طبعتها الأولى، لكن هذا الخطأ تم تداركه في الطبعة الثانية التي صدرت عن اتحاد الأدباء والكتاب في العام 2004، وملحقة بها مجموعة من النصوص القصصية تحت اسم "تحولات الجدار" التي كانت تظهر في سيرة الراحل باعتبارها مجموعة قصصية مستقلة.

تنتمي عائلة سيف إلى جيل من الآباء حرصوا على تعليم أبنائهم، على الرغم من فقرهم وافتقارهم للتعليم. عندما كان محمد في سن السادسة أخذه والده إلى عدن، ليلتحق هناك بكلية بلقيس، وهي مدرسة أهلية شهيرة تخرجت منها شخصيات تبوأت لاحقاً مراكز عليا في الدولة، مثل الراحل عبدالعزيز عبدالغني الذي شغل رئاسة الحكومة لأكثر من مرة.

ومع انتصار ثورة 14 أكتوبر، وخروج الاستعمار البريطاني من عدن، في 30 نوفمبر 1967، فرضت الجماعة الثورية اليسارية، التي تسلمت السلطة، قيوداً على الحريات السياسية والاقتصادية، توجت بصدور قانون التأميم الذي تسبب بتعطل القطاع الخاص، ما اضطر يمنيين كثراً إلى مغادرة عدن، بينهم والد محمد الذي سافر إلى السعودية تاركاً ولده محمد في رعاية عمه في تعز، حيث درس في مدرسة "الثورة" ومدرسة "الزبيري".

عن مواضيع كتاباته كتب محمد عبدالوهاب الشيباني:

"كتب عن عمال المطاعم الذين قاسمهم مراقدهم على أسطح المنازل، حين كان طالباً يقيم في منطقة المصلى بتعز، كتب عن الثوريين الذين خانتهم الأحلام بعد أحداث يناير.. كتب عن العشاق الذين أرادوا صنع وجه آخر للعالم ولم يستطيعوا أن يرفوا كعصافير فصار هو العصفور تبعاً للقب الذي كان يُطلق عليه من قبل أصدقائه؛ كتب عن القرويين الذين ينتمي لأحد قراهم الفقيرة.. عن المتشردين من أصدقائه كتب الكثير."

وأعد عنه الصحفي علي سالم تقريرًا كتب فيه:

"كتاباته تجسيد لحالة الشقاء التي عاشها. تقدم تجربة سيف، الكتابية والحياتية، مثالاً للكيفية التي تؤثر فيها الأفكار على بعض الأشخاص اللادينيين في شكل يجعلهم يتلاقون مع أتباع الديانات في نفي الجسد والتسامي على الحياة المعاشة، بل معاداتها أحياناً."

"يتحدث سيف عن نوبات اكتئاب داهمته في مراحل مختلفة من حياته، مشيراً إلى أن تلك النوبات لم تكن ترفاً خالصاً، بل نتيجة صعوبات معيشية شديدة القسوة. وثمة بين معارفه من يشير إلى البوهيمية الثقافية بوصفها عاملاً إضافياً يدفع بعض الكتاب إلى حياة التشرد والعبثية."

"في أواخر ثمانينيات القرن العشرين مزق سيف مخطوط روايته "على باب الشمس" التي كانت جاهزة لتنشر مسلسلة في صحيفة "الثورة" اليومية. "شعرت بعدم جدوى العالم والكتابة، فمزقتها"؛ يقول سيف الذي تمكن خلال العقد الماضي من أن يعيد كتابة "على باب الشمس"، إضافة إلى رواية ثانية بعنوان "حكايات أبي زيد الصغيرة". تلكما الروايتان، إضافة إلى ثالثة بعنوان "إنسان الظل"، تركها قبل مماته شبه مكتملة، وكانت ثمرة انتقاله بعد تخرجه من الجامعة عام 1994، إلى القرية التي وإن استقر فيها وتزوج، بيد أن جذر الشقاء متمثلاً بالمعاناة الاقتصادية، وما يترتب عليها من مشاكل عائلية، ظل نشطاً يولد نوبات اكتئاب، ويستدعي طيوف الانتحار."

"سيف الذي انفصل عن زوجته الأولى، وتزوج بثانية، كان يشكو من عدم قدرته على التكيف مع محيطه. في وقت متأخر من إحدى الليالي، شعر سيف بحالة بؤس وإحباط، فكان أن قاده طيف الاكتئاب إلى إغلاق غرفته من الداخل، وصب الكيروسين على جسده وإشعال النار فيه، إلا أن زوجته تمكنت في اللحظات الأخيرة من إنقاذه."

"على غرار نساك وزهاد الديانات الذين يكرسون حياتهم للعبادات، تاركين ملذات الحياة، كرس محمد سعيد سيف نفسه للكتابة والقراءة. لكنه وبخلاف رجال الدين كان يأمل أن يستمتع بالحياة توازياً مع متعة الكتابة، إلا أنه وجد نفسه بلا خيارات. لم يكن أمامه سوى أن يضحي بالكتابة من أجل الحياة، أو الاستمرار في الكتابة والقراءة على حساب متع الحياة، فكانت الكتابة خياره الوحيد."

"التدقيق في حياة سيف يظهر أن هذا الكاتب الموجوع بالكتابة حد الفناء، ليس مبدئياً فحسب، بل يبدو زاهداً ماركسياً يجد في الشقاء والتعاسة ما يشبه المتعة والافتخار. فخلافاً لمثقفين كثر تواءموا مع النخب العسكرية القبائلية الحاكمة، وساروا في ركاب الانقلابات الطائفية والجهوية؛ بقي سيف بائساً من بؤساء الجمهورية المغدورة، إلا أن فقره المزمن لم يدفعه إلى التخلي عن أحلامه الكبرى."

"الكاتب الذي لمع نجمه في ثمانينيات القرن العشرين كأبرز كتاب القصة القصيرة، ظل منسياً منذ مغادرته صنعاء في تسعينيات القرن العشرين، وهي واحدة من مفاعيل المركزية التي طالت المشهد الثقافي أيضاً. ومقابل مثقفين كثر اصطفوا وراء المليشيات الحزبية المتناحرة، ظل سيف ينشط مدنياً عبر "لجنة المخفيين قسراً"، وثقافياً من خلال مجموعة أطلقها عام 2018، عبر تطبيق "واتساب"، باسم "منتدى محمد عبد الولي"، نسبة إلى الروائي اليمني الطليعي الذي قضى في سبعينيات القرن العشرين، بحادث تفجر طائرة يكتنفه الغموض."

المصادر: مقالة للكاتب محمد عبدالوهاب الشيباني، وتقرير للصحفي علي سالم.