حوار مع رياض حَمَّادي
حاوره: فاروق محافظ
رياض حَمَّادي كاتب ومترجم وناقد يمني، صدرت له ثلاثة كتب إبداعية، تنتمي للنص المفتوح، اثنان منها عن مؤسسة هنداوي هما: "خطوات في النهر نفسه" 2018 و"لا يفتحون التوابيت" 2021، وقبلها صدر له عن دار مقام "يوم ننادي كل رصاصة باسمها" 2016، كما صدرت له ستة ترجمات، منها ثلاثة كتب شعرية هي: "يراعات طاغور- شذرات شعرية صوفية" و"حياة جديرة بالركض" و"صلاة لأجل مارلين مونرو"، و"أبعد من البيت" وهي قصص فلسفية قصيرة لتوماس دانيال، ومذكرات سيلفيا بيتش "شكسبير ورفاقه" سبتمبر 2021، وقبل كل هذا صدر له كتاب باللغة الإنجليزية في أمريكا، ديسمبر 2014 بمشاركة كُتاب ومفكرين عرب بعنوان "إصلاح الإسلام- أصوات مستنيرة من العالم العربي". نحاوره اليوم بمناسبة اشتراكه في تأسيس "جائزة السرد اليمني- حزاوي" ليحدثنا بصفته منسقها عن دور الجائزة في صناعة الموهبة ورعايتها، وعن السرد اليمني حاضره ومستقبله، إضافة إلى محاور أُخرى.
الكاتب والناقد والمترجم رياض نسيم، كأحد أعضاء فريق جائزة السرد اليمني "حزاوي" هل يمكنك أن توضح لنا الأسباب خلف هذه التسمية للجائزة؟
اختارت مؤسِّسة الجائزة، الدكتورة الروائية نادية الكوكباني، اسم "حزاوي" ليكون اسمًا مُضافًا لجائزة السرد اليمني، وتم اعتماد الاسم من قبل مجلس الأمناء وموافقة الراعي الرسمي للجائزة بنك اليمن والكويت. الاسم "حزاوي" جمْعُ كلمة حزْوِية، وهي مفردة عامية يمنية تعني حكاية أو قصة شعبية تتضمن لغزًا، وأصلها في الفصحى من الفعل حَزْو، مصدر حَزَا، وتعني تكهَّن، وحزا الشيء: قدَّره تخمينًا. أما عن علاقته بالجائزة وبالسرد فيمكن النظر إليه كاسم مستقل، كحال استقلال الاسم عن المضمون في مسميات بعض الجوائز، وهو في هذه الحالة اسم يسهل حفظه وتذكره، ومن جهة ثانية هو يربط الموروث والأصالة بالمعاصرة والحداثة متمثلة في السرد الحديث- رواية وقصة.
بداية بسيطة وحاضر واعد
هل يمكنكم أن توضح للقراء في مقدمة بسيطة عن تاريخ السرد في اليمن والرواية اليمنية؟
حين نتحدث عن السرد فنحن نعني به هنا القصة والرواية فقط، والعودة إلى البدايات الأولى للسرد في اليمن يكتنفها الجدل من ناحيتين: عدم الاتفاق على تاريخ محدد كبداية لأول قصة أو رواية، وهل ما كتبه يمنيون في المهجر يعد أدبًا يمنيًا أم لا؟ ثم نسبة ما كُتب إلى السرد الحديث من حيث نضجه وعناصره السردية والجمالية. فإذا ما تجاوزنا هذه النقطة الجدلية يمكن الرجوع لكتابين حديثين في الببلوجرافيا اليمنية: الأول للدكتور إبراهيم أبوطالب، بعنوان "ببيليوجرافيا السرد في اليمن" (1939- 2009م)، إصدار وزارة الثقافة 2010، وخصصه للقصة القصيرة والرواية وأدب الطفل، والثاني للأستاذ زيد الفقيه، بعنوان "ببليوغرافيا الروية اليمنية- (1920- 2020)" وهو مخصص للرواية فحسب. وهناك ببليوجرافيات سابقة مذكورة في الكتابين.
بدايات السرد اليمني تعود إلى هذين التاريخين المذكورين في العنوانين. يرى زيد الفقيه أن رواية "فتاة قاروت" 1927م لأحمد عبدالله السقاف، هي أول رواية يمنية، ومن حينها وحتى عام 2021 نُشرت قرابة 349 رواية. وتعد رواية "سعيد"، لمحمد علي لقمان، أول رواية يمنية تصدر في اليمن عام 1939م ومن حينها إلى عام 2009 صدرت 135 رواية، بحسب أبوطالب الذي لم يذكر رواية "فتاة قاروت"؛ لأنها كانت من المفقودات، بحسب ما ذكره لي شخصيًا، ووعد بأنه سيذكرها في الطبعة القادمة من كتابه.
العودة إلى البدايات مهمة للدارس، أما ما يهم القارئ العادي فهو حاضر السرد اليمني وإلى أين يمكن أن يذهب؟ وأرى أن السرد اليمني ينضج مع مرور الزمن، وهو كغيره من النتاجات يتطور بفعل التراكم المحلي والخبرات والتأثيرات الخارجية، وما بين أيدينا من روايات يشير إلى أن السرد اليمني يتقدم بخطى واثقة لكنه يحتاج إلى رعاية واهتمام وهذا ما تسهم فيه "جائزة السرد اليمني- حزَاوي" برعاية كريمة من الممول، الذي يقوم بدور فعال في خدمة المجتمع والثقافة ولولاه لما رأت هذه الجائزة النور، وكذلك بفضل الجهود المستمرة من قبل الصديقة العزيزة الروائية نادية الكوكباني والأعضاء الفاعلين في مجلس الأمناء.
هل يمكنكم ان توضحوا للقراء آلية العمل في حزاوي؟
بدايةً تُستقبل الأعمال المشاركة على بريد الجائزة، وتُراجع من قبل المنسق للتأكد من استيفائها للشروط، ثم ترسل إلى لجنة القراءة والتحكيم لتقييم الأعمال، وفقًا لمعايير اللغة والحبكة وبناء الشخصيات والتشويق وتقنيات السرد، والقضايا التي تحملها وما يميزها.
بدأنا في استقبال الأعمال مبكرا هذه الدورة، منذ الأول من شهر أكتوبر 2021، وفي الدورات القادمة سنبدأ في الأول من يناير وستنتهي فترة التقديم في نهاية مارس. وموعد الإعلان عن القائمة القصيرة سيكون في الأسبوع الأول من سبتمبر، وإعلان الفائزين في الأسبوع الأول من أكتوبر، ثم حفل التكريم وندوة الاحتفاء النقدية بضيف الشرف سيقرر لاحقًا.
كيف ترون واقع الرواية اليمنية مقارنةً بالرواية العربية والعالمية؟
ما تلقيناه من روايات منشورة ومخطوطة حتى الآن يشير إلى توفر مواهب مدفونة. بعد قراءتي للروايات الأولى المقدَّمة لمسابقة جائزة السرد اليمني تفاجأت من موهبة كُتَّابها. هذه المواهب لم تكن قادرة على نشر أعمالها فجاءت الجائزة لتقدم لهم يد العون بمنحة مالية وبنشر العمل مطبوعا مع إهدائهم عددا من النسخ. وبعيدًا عن الجائزة هناك أسماء يمنية وضعت بصمتها على مسرح السرد العربي بمشاركتها في الجوائز العربية منهم محمد الغربي عمران الذي فاز بجائزة كتارا عن رواية "ملكة الجبال العالية" التي نشرت في عنوانين آخرين هما: "مسامرة الموتى" و"مملكة الجواري"، وقبلها فاز بجائزة الطيب صالح عن روايته "ظلمة يائيل"، ثم بجائزة الشيخ راشد بن حمد الشرقي للإبداع عن روايته "حصن الزيدي"، كما فازت رواية "إنه جسدي" لنبيلة الزبير بجائزة نجيب محفوظ. وهناك روايات تُرجمت إلى عدة لغات أجنبية وعلى رأسها روايات علي المقري الذي وصلت روايته "طعم أسود رائحة سوداء" للقائمة الطويلة لجائزة الرواية العربية- البوكر، ثم روايته "اليهودي الحالي"، وكذلك رواية أحمد زين "فاكهة للغربان" التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة نفسها. كما وصلت رواية "زهر الغرام" لأحمد قاسم العريقي للقائمة الطويلة في جائزة حمد الشرقي، وهي بالمناسة رواية إنسانية جميلة عن المهمشين في اليمن. هناك أيضًا روايات وجدي الأهدل التي تُرجمت إلى عدة لغات ونالت تقديرًا خارجيًا جيدًا. والمجال لا يتسع لذكر كل الأعمال التي شاركت في جوائز أو فازت بها أو تُرجمت إلى لغات أجنبية. خطوات الرواية اليمنية بطيئة لكنها واعدة.
خطوة في الألف ميل
ما الذي يمكن لجائزة حزاوي أن تضيفه للساحة الثقافية اليمنية من وجهة نظركم ككاتب وناقد وكعضو في فريق الجائزة؟
من غير المعقول أن لا يكون في اليمن دار نشر معتمدة ومنتشرة عربيًا. ومن غير المعقول أن لا يكون هناك جوائز لرعاية جميع المواهب في الإبداع الأدبي والفني اليمني. ثمة سؤالان فيما يتعلق بالجوائز: هل الجائزة في قيمتها المادية أم المعنوية؟
هناك من ينظر إلى القيمة المادية وهناك من ينظر إلى القيمة المعنوية أو كليهما. وفي ظل الظروف الصعبة التي يعانيها الكُتاب هناك من يحلم فقط في نشر كتابه. وهذا خلل تعالجه جائزة السرد اليمني، وخلل آخر يتمثل في غياب حركة نقدية يحركها النص لا الكاتب من خلال علاقاته الشخصية وتحريضه للناقد للكتابة عن عمله فينتج عن ذلك نصوص نقدية مدائحية أو هجائية في حال توترت علاقة الروائي بالناقد، والنتيجة أن هناك أسماء لمعت وأخرى غائبة بسبب ضعف علاقاتها. ولسد هذا الخلل وضعت جائزة السرد اليمني ضمن أهدافها الاحتفاء بروائي في كل دورة روائية، وذلك بدعوة النقاد للكتابة عن ضيف الشرف ومكافأة تلك الكتابات. ومن ضمن الأسماء التي تنوي الجائزة تسليط الضوء عليها: أحمد زين وسمير عبدالفتاح ومحمد مثنى بسام شمس الدين وفكرية شحرة وشذا الخطيب ومروان الغفوري وسامي الشاطبي ونبيلة الزبير وعبدالله عباس الإرياني.
السؤال الأهم: هل تكافئ الجوائز الإبداع أم تصنعه؟
أتفق مع جورج برنارد شو في أن الجوائز التي تأتي متأخرًا أشبه بقشة لشخص قد نجى من الغرق. وأرى أن قيمة الجوائز في صنعها للإبداع تفوق قيمتها في مكافأة المبدعين. ولا أعني بهذا أن الجوائز تخلق المبدعين من العدم، وإنما هي تقدم لهم يد العون. وهذا ما تسعى إليه جائزة السرد اليمني.
تواجه الرواية اليمنية الكثير من العوائق التي يواجهها الروائيون والقصاصون من حيث عدم تمتعهم بالحرية ومخاوف خروجهم عن الأفكار التقليدية وقيود المجتمع، عدا عن محدودية انتشارها وجمهورها في الخارج، هل ترون أن جائزة حزاوي يمكنها أن تقفز على هذه العوائق؟
هذه العوائق لا تعالج إلا بثقافة طويلة المدى وتستغرق زمنا طويلا نسبيا. أهداف الجائزة موضحة في بيان الإشهار على صفحة الجائزة في الفيسبوك وقريبا جدا على موقع الجائزة على شبكة الانترنت، وبتشجيع الجائزة للكتابة والقراءة معًا فهي تعالج كل ما ذكرت من عوائق.
هل تعتقدون أن بإمكان الجائزة تحقيق إضافةٍ نوعية للساحة الثقافية اليمنية ونقل الرواية اليمنية لمستوى أوسع انتشاراً وأكثر أثراً في الداخل اليمني في ظروف الحرب والقمع والسلطات الشمولية المعادية للفنون؟
الجائزة في صورتها الحالية بداية قوية، قياسًا إلى خلو الساحة من جوائز مادية ومعنوية، لكنها بداية تَعد بالتطوير، فنحن مازلنا نسعى لتطوير الجائزة ورفع قيمتها المالية وفتح فروع لجوائز أخرى، كما نسعى لتكوين مؤسسة أُم "حزاوي للتنمية الثقافية"، تكون مظلة جامعة تقدم الجوائز وتُنمي الوسط الثقافي. هكذا تتقدم الأمم وتُبنى الحضارات وهذا ما نسعى إليه ولو بلبنة في هذا البناء.
*الحوار منشور على موقع فوتوكوبي