حوار مع رياض حمّادي عن جائزة السرد اليمني (حزاوي) حوار مع رياض حمّادي عن جائزة السرد اليمني (حزاوي)

حزاوي.. جائزة تحتفي بالمواهب وتسعى للاستمرار والتطوير

شفافية ومعايير صارمة في اختيار النصوص الفائزة بجائزة حزاوي

نطمح لزيادة قيمة الجوائز وفتح باب المشاركة للكتاب العرب

مشاركة نسائية فاعلة في الجائزة ونصوص مدهشة تكشف عن مواهب واعدة

الحرب والعنف ضد المرأة والحب ثيمات متكررة في الروايات المتقدمة للجائزة

تأثير السرد الحديث على الروايات المشاركة مازال طفيفاً.

أقول للروائيين اليمنيين: لا تنتظروا النصيحة من أحد!

أُعلنت في الأيام القليلة الماضية نتائج الدورة الثالثة لجائزة السرد اليمني (حزاوي)، وسط ترقب ومتابعة كبيرين من المهتمين بالشأن الثقافي اليمني على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما بدا لافتاً بالنسبة إلى كون الجائزة لم تتجاوز بعدُ ثلاث سنوات على استحداثها. مواكبة منا للحدث، الذي وبجدارة أصبح مهماً، نلتقي على هامش إعلان النتائج بالأديب والناقد، رياض حمًّادي، منسق عام الجائزة، للحديث في تفاصيل أكثر عن هذا الحدث الثقافي والجهد الكبير الذي يبذله المنظمون من أجل خروجه بالمظهر المتميز الذي كان عليه.

خاص بعناوين ثقافية:

  هذه هي الدورة الثالثة لجائزة السرد اليمني (حزاوي) للرواية اليمنية، كيف يقيم رياض حَمَّادي، منسق عام الجائزة، مسار الجائزة، آليتها وعملها المؤسسي، ومدى انعكاس ذلك على كمية ونوعية الأعمال الواردة إليها؟

تطورت الجائزة باتجاهين:

تطور داخلي؛ بتعلمنا من أخطائنا ومراكمة خبراتنا. وتطور في مستوى النصوص المقدمة؛ لأن الجائزة لم تكن معروفة كثيرا في دورتها الأولى (2022) فكانت المشاركات قليلة من ناحية الكم والكيف. وفي الدورة الثانية (2023) زاد عدد المشاركات كمًا وكيفًا، أما الدورة الثالثة (2024)، فقد شاركت نصوص هي الأجمل من كل ما سبق بل وفيها نصوص أزعم أنها تكتب لأول مرة في اليمن من ناحية اللغة والأسلوب.

نود أن نعرف أكثر عن نشأة الجائزة، هيئاتها ولجانها، وعن مؤسسيها، وهل للجائزة قوام مؤسسي، ومسجلة لدى جهة حكومية رسمية بالداخل أو بالخارج؟

نشأت الجائزة بدافع حوار مع الصديقة الروائية نادية الكوكباني. هي دائمًا منشغلة بالهم الثقافي. وكانت فكرتها الأولى إنشاء دار نشر نوعية تهتم بنشر كل ما هو مميز من النصوص الحديثة، المخطوطة، والنصوص المنشورة من تراثنا لكنها غير متوفرة في المكتبات. والدار على هذا النحو لن تكون ربحية في المقام الأول. ثمة مخاطرة في تنفيذ هذه الفكرة لذلك ترددتُ في قبولها، وإن كانت لازالت مطروحة. وفي حوارات لاحقة طرحت الكوكباني فكرة إنشاء جائزة. ناقشنا الفكرة معا وقمتُ بإعداد مسودة المشروع ثم بدأت الكوكباني بالبحث عن ممول وكانت هذه هي العقبة التي كانت ستقف في وجهنا لو لم يتكفل بنك اليمن والكويت برعاية الجائزة. وفي الطريق من بداية الفكرة إلى إخراجها إلى النور هناك آلاف من الرسائل وجلسات النقاش شبه اليومية مع الروائية نادية الكوكباني ومع القائمين على الجائزة في بنك اليمن والكويت، ومع مجلس الأمناء، ومع مصمم موقع الجائزة، وكلها تتمحور حول هم واحد وهو ضرورة استمرار الجائزة وكيفية تطويرها.

لم تتحول الجائزة إلى مؤسسة بالمعنى المعروف لكلمة مؤسسة، لكن النوايا الحسنة والإخلاص للهدف منها هو ما يجعلها تستمر. إن توقفت الجائزة فقد بذلنا ما في وسعنا وإن استمرت فبفضل القائمين عليها ونواياهم الحسنة. لكن هناك شكل مؤسسي للجائزة من ناحية أنها تنضوي إداريًا تحت مؤسسة حزاوي للتنمية الثقافية وهي مؤسسة رسمية قانونية ولديها ترخيص.

لنتحدث عن المواضيع التي ترد ببال المشاركين دائماً؛ ما هي الإجراءات التي تمر بها النصوص المشاركة من البداية حتى إعلان النتيجة، وكيف توضع معايير المنافسة؟

أول مرحلة هي استقبال النصوص، وتمتد لأربعة شهور؛ حتى نعطي وقتًا كافيا لمراجعة الكاتب لنصه قبل إرساله. والمرحلة التالية هي مرحلة الفرز، وتبدأ مع استقبال أول نص يصل إلى إيميل الجائزة. نقوم بقراءة النصوص وتحديد ما إذا كانت جديرة بقراءة لجنة التحكيم أم لا. المرحلة التالية هي إرسال النصوص إلى لجنة التحكيم الرئيسية المكونة من ثلاثة أعضاء وتستمر عملية التقييم لحوالي أربعة أشهر. تتخلل عملية القراءة والتقييم مناقشات مع لجنة القراءة، عبر الإيميل أو تطبيق “واتس” ثم اجتماع أخير لإقرار النتيجة النهائية.

تقسم مرحلة الإعلان إلى ثلاثة قوائم: طويلة وقصيرة وفائزة. ويتم تقرير موعد إعلانها مسبقًا ونحرص على الالتزام بهذه المواعيد غالبًا. ثم تأتي مرحلة الاحتفال بالفائزين بتوزيع شهائد تقدير ودروع. أما المرحلة غير المعلنة فهي مرحلة تحرير النصوص الفائزة وتدقيقها لغويا ومناقشة الكتاب الفائزين حول بعض الملاحظات في نصوصهم ثم تأتي مرحلة طبع النصوص الفائزة وتوزيعها على الفائزين وعلى المهتمين والمكتبات الجامعية والنقاد مجانا.

وضعنا معايير للمنافسة تستأنس بها لجنة التحكيم: اللغة، والتشويق والتقنيات وبناء الشخصيات وتطورها ورسالة النص ودلالته وقضاياه إلخ، لكن الأهم من هذا هو الاختيار المناسب لعضو لجنة التحكيم. هناك من قد يمنعه انتماؤه الأيديولوجي من اختيار نص جميل لتعارض النص مع هذا الانتماء، وأحيانًا تقف الذائقة الشخصية حائلا دون فوز نص وترجيح نص أقل منه قيمة. وظيفتنا في الجائزة حمايتها من هذا المنزلق والخروج بأفضل النصوص المستحقة للفوز.

متى يبدأ دور لجنة التحكيم الرئيسية، وماهي طريقة ومعايير اختيار أعضائها؟ وهل يختلف ذلك بين سنة وأخرى؟

في الدورات الثلاث السابقة كان دور لجنة التحكيم يبدأ مع استقبال نص جدير بالقراءة والتقييم. أي أن النصوص كانت ترسل تباعًا لا مرة واحدة. اعتمدنا هذه الطريقة حتى نمنح لجنة التقييم أكبر مدة ممكنة للتقييم. هناك طريقة ثانية وهي تجميع النصوص الجيدة وإرسالها مرة واحدة إلى لجنة التحكيم، بعد الانتهاء من مرحلة تقديم النصوص، وقد نعتمد هذه الطريقة في الدورات القادمة.

أما عن آلية اختيار لجان التحكيم فيتم طرح الأسماء المساهمة في تنشيط المشهد السردي ثم اختيار ثلاثة منها بحيث تكون متنوعة. ولن تخلوا المسألة من انتقاد. مثلا لم يكن هناك نقاد في الدورة الثانية، وعندما اخترنا لجنة كلها من النقاد في الدورة الثالثة هناك من اعترض من القراء لغياب الروائيين عن لجنة التحكيم. في هذا الخصوص أنوه إلى أن لجان التحكيم في الجوائز حول العالم لا تقتصر على المختصين فقط؛ فتقييم النصوص لا يخضع للتخصص، بل على المهتمين وأصحاب الذائقة مثل القراء والصحفيين والشخصيات العامة. كما أن النصوص في جائزة السرد اليمني (حزاوي) تقدم للجنة التحكيم دون أسماء كُتابها.

 نلحظ في منشوراتك، أن كثير من النصوص تكون على اطلاع عليها، وأن تواصلا مستمرا بينك وبين الكتاب بهدف تطوير النصوص، أو هكذا بدا لنا الأمر، فهل يتم هذا أثناء فترة استقبال النصوص، أم بعد غلقه. هل يؤثر هذا برأيك على جدارة الروايات المشاركة من الأساس؟ (لا نتكلم بالطبع ولا نقصد الحديث عن جدارة الفائزين) فقط لمسنا أن هذا الجهد إن تم فهو بلا شك يساعد في تحسين جودة النصوص قبل اغلاق باب قبول الأعمال وانطلاق المنافسة رسميا.

أقرأ كل النصوص المقدمة إلى الجائزة. لكني لا أتواصل مع الكتاب إلا بعد مرحلة الفوز؛ لأن تحسين النصوص في مرحلة ما قبل إغلاق فترة التقديم سيعني تدخلًا في النصوص لصالح هذا الكاتب أو ذاك. نعتني فقط بالنصوص الفائزة وذلك بإرسال الملاحظات للكاتب ليأخذها بعين الاعتبار فيما لو أراد تنقيح نصه بنفسه قبل طباعته، ثم أقوم بتحرير النصوص ومناقشة الكتاب الفائزين حول المقترحات التي من شأنها تحسين النص، مثل تغيير العنوان أو الخاتمة. قمنا مثلا بتغيير اسم “البيت الكبير” إلى “سميتها فاطمة” و “الطريق إلى صنعاء” إلى “طيور سوداء تشبه الغربان”، كما قمنا بتغيير نهاية رواية لأنها لا تخدم الرؤية التي ظل يبنيها الروائي طوال أحداث الرواية. وتقتضي عملية التحرير حذف عبارات أو فقرات واستبدال مفردات بأخرى وإعادة تركيب جملة أو توضيح معنى ولن تخلوا النسخة النهائية من هنات لكنها ستكون أفضل مما قبل.

من يصوت على الأعمال المرشحة للقوائم الثلاث، الطويلة، القصيرة، والنهائية؟ وهل يستأنس بالآراء المسبقة لمحكمي اللجان الأولية؟

هذه مهمة لجان التحكيم. لكن النتيجة النهائية، قائمة الفائزين، هي مهمة لجنة التحكيم الأساسية التي تظهر للجمهور في نهاية المسابقة. والمسألة تخضع للنقاش لأننا لسنا في امتحان تكون الإجابة عليه مقررة في الكتب ويمكن الاحتكام إليها، بل أمام نصوص إبداعية يكون للذائقة والتفضيلات الشخصية دور في اختيار الأفضل.

لاحظنا اختفاء منافسة فرع الرواية المنشورة، ما هي أسباب ذلك؟

مبلغ الجائزة لا يكفي لأن يوزع على فئتين وفي كل فئة أكثر من فائزين. ثم إن هدف الجائزة هو إعانة من لا يستطيع طبع روايته بالدعم المعنوي والمالي.

هل تمنح إدارة الجائزة مكافآت للجان الأولية ولجنة التحكيم الرئيسية؟ نعرف أنكم جهة غير حكومية ولا تتلقون تبرعات على نحو يسمح لنا توجيه السؤال التالي، لكني سأضعه حتى نكون صورة أوضح عن آلية عملكم، والسؤال هو: هل تخضع مصاريف الجائزة لمعايير محاسبية منضبطة؟

هناك مكافأة مالية للجان التحكيم وهي مكافأة رمزية إذا نظرنا إلى الجهد والوقت الذي تبذله من أجل تنشيط المشهد السردي في اليمن. والمكافأة المالية، إضافة إلى مصاريف إدارية أخرى، يقوم بنك اليمن والكويت بتمويلها ومنها إنشاء موقع الجائزة وصرف مكافآت نقدية مقابل النشر فيه. وفي نهاية الدورة نقوم بكتابة تقرير مالي مفصل للبنك الممول.

ما الذي تطمح إليه الجائزة وما الذي برأي رياض، تحتاجه؟ وهل تعتقد أنكم في الطريق الصحيح إلى ذلك؟

نطمح إلى استمرار الجائزة وجعلها جائزة ثابتة. ونطمح إلى زيادة مبلغ الجائزة ومشاركة الروائيين المعروفين في المنافسة وجعل الجائزة عربية لا محلية فحسب.

هل ما تزال فكرة احتفائكم بروائي رائد في كل دورة، قائمة؟ وما هي معايير اختيار الروائي من هذا النوع المحتفى به؟

وضعنا معيارا للاحتفاء بروائي في كل دورة وهو أن يكون من الذين لم يأخذوا حقهم من الاهتمام النقدي والقراءة. وبالطبع من المستحقين للاحتفاء بفضل رواياته المنشورة.

للأسف لم تستمر هذه الفكرة سوى لدورة واحدة فقط. استمرار الفكرة يتطلب جهدا ووقتا للتواصل ورفد الصفحة والموقع بروايات المحتفى به، وغالبا يمتنع الروائيين عن إهداء نسخ إلكترونية مجانية من رواياتهم وهم معذورون بسبب عقودهم مع دور النشر. هنا نشكر الروائي بسام شمس الدين لإهدائه نسخا من أغلب رواياته لتنزيلها مجانا من موقع الجائزة كما نشكر كتاب القصة الذين أهدوا نسخا من أعمالهم لتنزيلها من الموقع مجانا. يستلزم استمرار الفكرة أيضا إجراء حوار مع الروائي المحتفى به لصالح موقع الجائزة، والتعريف به في صفحة الجائزة على الفيسبوك بنشر اقتباسات من رواياته.

بالعودة إلى جوائز هذه الدورة؛ ماذا كان وراء اقتراح تناصف الجوائز هذا العام، وإلغاء جائزة المركز الثالث؟

نوهنا إلى هذا في البيان الصحفي لقائمة النصوص الفائزة بالقول إن “تقارب النصوص الأربعة الفائزة من حيث القيمة الفنية واللغوية والموضوعية حتَّم تقسيم الجائزة المالية إلى مرتبتين بدلًا من ثلاثة، وإلى أربعة فائزين بدلًا من ثلاثة وبما لا يتعارض مع معايير الجائزة المعلن عنها في المادة 11 من معايير الجائزة والتي تسمح بتقسيم قيمة الجائزة مناصفة في حال تنافس نَصَّان على المرتبة الأولى أو الثانية. وقد تحجب إحدى المراتب أو تضاف قيمتها المادية إلى مراتب أخرى. وهذا ما حدث في هذه الدورة بسبب القيمة العالية للنصوص الأربعة الفائزة. قمنا بهذا الإجراء حتى نقلص التفاوت في القيمة المالية والمعنوية للنصوص.

كم نسبة مشاركة الكاتبات إلى الكاتبين في كل دورة، وما هو تقييم رياض حمادي، لنوعية الأعمال وتنوعها؟

في الدورة الأولى شاركت تسع كاتبات من أصل ثمانية عشر نصًا مشاركًا في فئة الرواية المخطوطة. أي نصف العدد من الكاتبات. وفازت كاتبة في المرتبة الأولى. وفي فئة الرواية المنشورة شاركت أربع كاتبات من أصل عشرة نصوص مشاركة، وفازت كاتبة في المرتبة الثانية.

وفي الدورة الثانية للرواية المخطوطة شاركت 49 كاتبة من أصل 95 نصًا مشاركًا، وكان الفوز في هذه الدورة من نصيب الكُتاب لا الكاتبات. وفي الدورة الثالثة شاركت 28 كاتبة من أصل 58 نصا مشاركًا، وفازت كاتبة في المرتبة الأولى وكاتبتان بجائزة النشر.

أما عن تقييمي للنصوص المشاركة فهناك نصوص مدهشة تكشف عن مواهب كانت تنتظر الفرصة التي تحثها على الكتابة أو على المشاركة بنصوص كانت جاهزة وينقصها الحافز المعنوي والمالي الذي يساعدها على تبني العمل وطباعته من قبل الجائزة. هذه الدورة تلقينا أفضل النصوص لا مقارنة بنصوص الدورتين السابقتين فقط بل مقارنة بكثير مما نشر من روايات يمنية.

ما هي النقاط التي أثارت دهشتك في الأعمال المقدمة إليكم خلال ثلاث سنوات، وما هي المآخذ والملاحظات التي لديك أيضا على الأعمال المشاركة.

في رواية “سميتها فاطمة”، لمياسة النخلاني، لفت نظري لغتها المتماسكة وأدهشتني قدرة الكاتبة على تحويل قصة عادية ومألوفة في كثير من البيوت اليمنية إلى قصة غير تقليدية بتناولها للجانب النفسي للشخصيات وبتبنيها للجانب الإيجابي في صراع الإخوة، وكذلك بوعيها للفارق بين زمن القصة وزمن السرد ما جعلها تمسك بزمن السرد من بؤرة حدث الذروة لتعود بعد الفصل الافتتاحي بالقصة إلى بدايتها وهذا ضمِن جانبًا من التشويق.

حوَّلت الروائية الصراع بين الأخوين إلى صراع نفسي ذاتي ناتج بدوره من صراع ذو طبيعة مختلفة بين أخوين من الجيل التالي. وفقًا لزمن السرد تبدأ الرواية بالصراع النفسي، ووفقًا لزمن القصة تبدأ الحكاية بالصراع البيني، بين الأخوين. أي أنها تبدأ بجيل الأبناء قبل أن تنتقل إلى جذور هذا الصراع إلى الآباء. وفي الحالتين كان الصراع بين الأخوين من الجيلين صراعًا ذاتيًا يتمثل مقولة النبي عيسى التي تحث على مقابلة العنف بالسلام “لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر.”

وفي رواية “عرس على صفيح ساخن” لأحمد قاسم، الفائز بالمركز الثاني في الدورة الأولى، أدهشتني فكرة الرواية التي حشرت اليمن كلها في قاعتي عرس وأدارت في هاتين القاعتين حوارات وأحداثًا تكشف طبيعة الصراع في اليمن والتكتلات وخرجت بصيغة للحل بقيادة النساء اللواتي ظللن الفاعلات والأكثر حضورا في الرواية ربما تعويضًا لدورهن المسلوب في الواقع.

وفي رواية “سماء تمطر خوفًا” لغسان خالد، الفائز بالمركز الأول، في الدورة الثانية، أدهشتني التفاصيل التي ساقها الكاتب بلغة متقنة وإدارة للسرد وتقنياته تكشف عن وعي سردي. لأول مرة أقرأ رواية يمنية تحكي قصة التغريبة اليمنية وتشرد ثلاثة أجيال مع خلفية تاريخية وسياسية وامضة تشير بأصابع الاتهام وبلغة فنية تلميحية إلى أصل الداء. أدهشني في هذه الرواية أيضًا تقسيمها إلى جزئين: الأول بلغة متكلم طفل وشاب والثاني بلغة سارد عليم عن شابة تدير هذا الجزء من القصة. هذا الاستعمال لتقنيتي السرد، يكشف عن ضرورة فنية أكثر منها جمالية؛ فهناك مناطق في السرد وأحداث، في جزئها الثاني، لم يكن سردها ممكنا إلا بتقنية السارد العليم.

شارك في الدورة الثانية نص روائي لمناضل شارك في فك حصار السبعين. هذا النص هو “طيور سوداء تشبه الغربان” وصاحبها هو الأستاذ عبدالله الأحمدي، قاص من جيل الثمانينات أعادته الجائزة للواجهة. وقد أدهشتني روايته السيرية التي ستقرأ فيها لا أحداث الماضي فحسب بل ستُسقط تلك الأحداث على الحاضر وستضع يدك على مكمن المشكلة. وتتميز لغة الرواية بحوارات من الدارجة اليمنية لتعكس روح الشعب بلهجاته ومعاناته المختلفة.

وفي رواية “حزام ناسف” لأحمد أشرف المطري، يستعير الكاتب ثيمات سينمائية لأفلام معروفة ويوظفها أو يصهرها بذكاء في نصه ومن خلال هذه الثيمة الدرامية يعالج قضايا متعددة.

أما في الدورة الثالثة فقد شاركت أربعة نصوص هي الأجمل. وتميز نصان منهما بواقعية سحرية مدهشة هما “غربان العنبرود” لهشام المهدي و “امرأة من شقوق” لمحمد عادل. والنصان ينحتان مثالهما السردي من واقع الحالة الخاصة، أحدهما عن طفل فريد أو شاب يستعاد تاريخه بتقنية السارد العليم، والنص الثاني عن فتاة تحكي بلسانها وقائع مأساتها مع العنف الممارس ضدها. لكن بلغة بكر تليق بالبيئة التي نشأت فيها الفتاة والفتى. والنصان الآخران لأمة الخالق الظفيري وأحمد (خليفة) المفلحي، يتناولان قضيتين اجتماعيتين دون أن ينزلقا إلى خانة المباشرة والوعظ. أحد النصين عن الحروب الوسطى والثاني قصة حافلة بالتفاصيل عن ثلاثة أجيال من النساء المقهورات.

أتوقع لنص “غربان العنبرود” أن يكون فاتحة لسرد يمني جديد، ولصاحبه هشام المهدي مستقبلا واعدا مع السرد. وأتوقع لنص “حب بنكهة الموت” أن يثير مزيدا من الجدل الذي أرجو أن يكون مفيدا ومثمرا في المرة القادمة عن قدرة كاتبة يمنية شابة قادمة من حجة تكتب بنفس سردي محترف وتثير التعاطف مع شخصياتها وقضاياها بقدر ما تثير الإعجاب بقدرتها على خلق هذه العوالم والتعمق في الذات الإنسانية.

بالعودة إلى النقاط الإيجابية والمآخذ، دعنا نعرف أقوى نقطة وأسوأها على الإطلاق.

لا توجد نقاط سيئة في النصوص الفائزة سوى أن بعضها يتطلب جهدا تحريريا يتفاوت مستواه من نص لآخر. لكن هذا ليس عيبا؛ فكثير من نصوص الروائيين “العالميين” تخضع لتحرير من هذا النوع قبل النشر كما تخضع لنقاشات مع هيئة التحرير.

ما هي الموضوعات التي تبنى حولها الروايات التي تتلقونها، وهل لاحظتم تنوعا في أساليب السرد وتقنياته؟

موضوع الحرب هو الأكثر حضورا ويتم تناوله من زوايا متنوعة. وفي هذه الدورة الثالثة العنف الموجه نحو المرأة هو الأكثر حضورا. والحب ثيمة تنافس الحرب في نصوص أخرى. أما عن أساليب السرد فمتنوعة ولا تختلف كثيرا عن الأساليب المطروقة في الرواية عموما. لكن كما قلت في الإجابة عن سؤال سابق هناك نصان مميزان في هذه الدورة من ناحية الأسلوب.

ما الذي تراه مختلفا بين سرد المرأة وسرد الرجل؟ وأين التشابه؟

في العموم لا يوجد اختلاف لكن في بعض النصوص ستلمس فارقا من ناحية القضايا والهموم التي تشغل بال المرأة الكاتبة أكثر من الرجل.

هل يطلب من الفائزين بالنشر تحرير رواياتهم بأنفسهم، أم تقومون بذلك بالتنسيق معهم؟

أقوم بمهمة التحرير وأناقش الكُتاب في المسائل التي تستدعي ذلك، ثم يخضع النص لتدقيق لغوي.

هل تطرح الروايات في المكتبات للبيع؟ وهل تفكرون بالتعاون مع دور نشر عربية أو يمنية لطبع نسخ أكثر وطرحها للبيع والمشاركة في المعارض؟

الطبعة التي تخرج باسم الجائزة احتفائية وليست تجارية. نقوم بتوزيع عدد من النسخ للمكتبات الجامعية والعامة وللنقاد والمهتمين في حفل توقيع. ويبقى النص ملك لصاحبه له الحق في نشره لاحقا أينما أراد. وكانت هناك فكرة للتعاون مع دور يمنية لتوزيع النسخ لكن استبعدناها لتجنب شبهة الربح من الروايات الفائزة.

ما هي توقعاتكم لمستقبل السرد اليمني عطفا على ما يقع بين يديك من أعمال متنافسة؟

إذا استمرت الجوائز المحلية أو الدعم المادي والمعنوي بأشكال مختلفة فأتوقع أن ينتعش المشهد السردي اليمني ويُرفد بطاقات سردية شابة تسهم في تطور الرواية اليمنية.

نصيحتك للكتاب اليمنيين الشباب، والكبار في آن؟

أثبتت مخرجات الجائزة في دوراتها الثلاث أنه ما من كبير في الرواية. وهؤلاء جميعا لا ينتظرون نصيحة من أحد. هم يعرفون ما ينبغي عمله للاستمرار في الكتابة وتطوير لغتهم وأدواتهم.

ما هي أبرز الحواجز أو التحديات التي لاحظتموها في الروايات اليمنية المشاركة؟ وهل هناك أنماط أو قيود محددة تؤثر على أسلوب السرد أو المواضيع المطروحة؟

مازالت الرواية اليمنية غارقة في مستنقع القضية. واللافت في هذه الدورة أن القضية توارت في بعض النصوص إلى الخلف بأساليب لغوية وفنية ولاءها الأول للسرد وجمالياته.

ما تأثير السرد الحديث على الروايات المشاركة؟

تأثير طفيف ما عدا في بعض النصوص ويرجع ذلك لاطلاع كتابها لنماذج من السرد الحديث ثم قدرتهم على توظيفه لصالح نصوصهم فلا تظهر الرواية في الأخير قضية أكثر منها فنًا سرديًا.

وماذا عن  جائزة (حزاوي) لأدب الطفل ؟

جائزة السرد اليمني بدأت أولًا ثم اقترحت الدكتورة الروائية نادية الكوكباني بعد فترة إنشاء جائزة مخصصة لأدب الطفل، وبعد إعدادي لمشروع الجائزة بحثت الكوكباني بنفسها عن تمويل وقد مولت مؤسسة الخير، التابعة لمجموعة رجل الأعمال علوان الشيباني، الدورة الأولى ثم مولت الدكتورة نادية الدورة الثانية عبر مؤسسة حزاوي بالشراكة مع صالون نون الثقافي.

قلت بأن من طموحاتكم أن يشارك الأدباء المعروفون في الجائزة؛ برأيك لماذا لا يشاركون؟ وهل تسعى الجائزة إلى دعم الكتّاب اليمنيين وتشجيعهم، أم أنها تهدف إلى إبراز أجمل ما في الأدب اليمني، سواء من الجيل الجديد أو الأدباء المخضرمين؟

الجائزة مفتوحة للجميع. لكن المشاركين جلهم من الشباب وأغلب هؤلاء من الذين يكتبون لأول مرة استجابة لنداء موهبتهم ولإعلان الجائزة. والجائزة ليست جمعية خيرية لدعم الشباب بل هي جائزة مخصصة لاختيار النص الجيد سواء كتبه شاب يكتب الرواية لأول مرة أو كتبه كاتب معروف.

أخيراً إن جاز لنا أن نسأل عطفاً على تميز مشروعكم شكلاً وموضوعاً: لماذا (حزاوي) وما المختلف فيها عن بقية الجوائز الأدبية الأخرى؟

نحن لا ننظر بعين المنافسة للجوائز المحلية الأخرى. كل الجوائز هدفها واحد وهو دعم المشهد السردي والأدبي في اليمن. يكمن الحظ في التوفيق والجهد المبذول وفي لجان تخرج بأجمل النصوص ثم في الجهد التحريري الذي يعقب الفوز.

كيف ترى تفاعل المهتمون بالمشهد الثقافي مع جائزة السرد اليمني خلال دوراتها الثلاث؟

شجعها البعض بمنشوراتهم وتعليقاتهم وقلل البعض منها بمنشورات وتعليقات، ولا أتحدث هنا عن النقد البَنَّاء، واكتفى آخرون بالصمت. لكن ما سيعمل حقًا على استمرار الجائزة وتطورها هم الكُتاب المشاركين في الجائزة بنصوصهم، واستمرار التمويل، وهنا أوجه الشكر لإدارة بنك اليمن والكويت بالأخص مديره الأستاذ عبدالملك الثور والشكر كذلك للمشرفين على الجائزة في البنك الأستاذ طارق الحاشدي والأستاذة بشرى الثور. كما أتوجه بالشكر للصديقة الدكتورة الروائية نادية الكوكباني التي تبذل الكثير من وقتها للجائزة دون مقابل.

سعدنا بهذا اللقاء معك. شكرا لك.

الشكر لكم أيضاً.

نقلا عن موقع عناوين ثقافية