رياض حَمَّادي
رواية البيت الكبير- فائزة بالمركز الأول فئة الروايات المخطوطة.
في إحدى قرى جبل صبر، المطل على مدينة تعز، ولدت فاطمة لأب لم يرزق إلا البنات، مما أدخله في مشاكل مع أخيه على ميراثه. يكافح الأب من أجل أرضه وبناته أمام تعنت أخيه ورغبته بتزويج ابنه من إحداهن، رغم صغر أعمارهن. ينتقل الأب إلى المدينة. وهناك تبدأ فاطمة حياتها البسيطة رفقة والديها، وبعد سنوات تنتقل إلى مدينة صنعاء، حيث تبدأ رحلة معاناة جديدة في حياتها مع زوجها. فهل ستواصل درس الرفض وعدم الاستسلام الذي علمها إياه والدها؟
ثمة تعويض تحصل عليه فاطمة بزواجها الثاني، يبدأ الزوجان حياةً جديدة يرافقهما ابنها خالد، غير أن الحياة لا تصفو طويلًا. تبدأ فاطمة رحلة أخرى مع ابنها الذي ساء حاله وأوشكت أن تفقده.
تسرد رواية "البيت الكبير" لمياسة النخلاني، قصة ثلاثة أجيال، وأهم ما يميزها هي تقنية السرد الكفيلة بالاحتفاظ بالقارئ حتى النهاية. بدأت أحداث القصة بزمن سرد من المنتصف، تقريبًا، عند حدث مفصلي مبهم لن نعرف كنهه إلا بالاستمرار في القراءة؛ خالد وهو يكابد كوابيسه ولا يغمض له جفن إلا بالعقاقير الطبية، يناضل ضد طيف حرمه منامه وترك في نفسه أثرًا جعل منه قاتلًا في نظر نفسه. وما أن يصل القارئ إلى الحدث- الذي تسبب في حالته- في مكانه التسلسلي من زمن القصة، حتى تجد ثغرات جديدة تركتها الكاتبة لتحتفظ بالقارئ حتى النهاية. وبهذه التقنية حولت الكاتبة الرواية البسيطة والحكاية التقليدية إلى رواية شيقة.
ما يميز هذه الرواية هو تحليلها النفسي لدواخل شخصياتها، فتجد تحليلًا لنفسية الطفل اليتيم والفتاة التي فقدت والدها في ليلة عرسها، والأب الذي فقد حياته ما أن خرجت ابنته الأخيرة إلى بيت زوجها، ظن أنه أزيح عن كاهله آخر همومه، وبعد أن لم يجد ما يضحي من أجله وضع رأسه على الوسادة ونام نومته الأخيرة.
هي قصة كلاسيكية عن الظلم بين الإخوة، لكن ما يميزها أنها تنتصر للنضال ضد الظلم وتدعو لنبذ الاستسلام، شخصيات الرواية فقيرة، بالمعنى المادي للكلمة، لكنها غنية، لا بأخلاقها فحسب وإنما بكفاحها في الحياة. سنجد هنا صورة للمرأة القوية التي تقف إلى جوار زوجها ليبدأ من جديد، وصورة لها وهي تواصل مسيرة أبيها في كفاحه ضد تعنت وطغيان أخيه.
مثل رواية "الأخوة كارامازوف"، وغيرها من روايات الصراعات العائلية، عالجت رواية "البيت الكبير" القضايا الإنسانية، "كالروابط العائلية وتربية الأطفال ومسؤولية كل شخص تجاه الآخرين." لكن ما من رمزية، في عنوان الرواية، أبعد من حدود القصة الإنسانية والاجتماعية. نعم، ستجد أحداث الرواية تتكرر هنا أو هناك بدرجات متفاوتة في المجتمع، لكن لا يمكن أن نمد مضامينها لتشمل الفضاء السياسي، إلا إذا لم نلتزم بحدود التأويل التي حددها أمبرتو إيكو. وثمة ميزة أخرى في الرواية وهي لغتها المقتصدة في الوصف دون حشو أو تكرار. لغة ونَفَسٌ سرديان يعدان بروائية متمكنة وناضجة.
ثمة مخرج، هذا ما تقوله الرواية، شريطة ألا تستسلم، وكعادة الروايات "الفيكتورية" تنتهي رواية "البيت الكبير" نهاية سعيدة تنسجم مع كل ما قاسته شخصياتها من عناء وما ذرفوه من دموع.
عرس على صفيح ساخن- فائزة بالمركز الثاني- فئة الروايات المخطوطة.
المكان في الروايات الواقعية إما مكان واقعي، بأسمائه الحقيقية، أو هو مكان مخترع، متخيل. وحين تريد لرواية واقعية تتناول مكانًا جغرافيًا بحجم بلد، كاليمن، يكون الخيار الأنسب هو اختراع مكان مجازي رمزي ليمثل البلد بمن فيه، بخاصة إذا كان هدف الرواية اختزال المكان الكبير في بقعة ضيقة محاصرة ويكون لهذا الضيق والحصار دلالة تنطبق على المكان الكبير. وهذا ما فعله أحمد قاسم العريقي في روايته "عُرس على صفيح ساخن" المُشاركة في القائمة الطويلة لجائزة السرد اليمني- حَزَاوِي.
تدور أغلب أحداث الرواية في قاعة عرس رئيسية، للنساء، وأخرى هامشية للرجال. ولهذا الاختيار دلالته كما سنرى. القاعة هنا ليست كل اليمن، لكنها تمثيل لها. أما عن زمن الأحداث فقدره ثلاثة أيام، هي فترة الحصار الذي تتعرض له قاعة العرس بمن فيها من قبل القوى المتحاربة. تتحول ساعات الفرح- في الحالة الطبيعية- إلى وضعية استثنائية قدرها أيام من الخوف والرعب والجوع والذل والمهانة. هي حالة استثنائية خلقتها الرواية لتكون مرآة لواقع مؤلم يمتد منذ ثمان سنوات حتى اليوم. وسبب الحصار هو ما يدور خارج القاعة، حيث تتصارع القوى السياسية على السلطة في حرب تكون نتيجتها الحصار إلى أن تقرر النساء ترك الخلافات وعمل شيء للخروج من هذا المأزق.
في هذا المجتمع المصغر، قاعة العرس المحاصرة، ستجد نماذج للناس من المجتمع الكبير- اليمن. ستجد نموذج للاستغلالي، مثل إقبال ناصر الذي يتنكر في هيئة نسائية ويقوم بتصوير النساء إرضاءً لمخيلته المهووسة بالنساء، كما ستجد نماذج للصوصية والانتهازية وللشجاعة. أغلب هذه النماذج سلبية، ولعله اختيار مقصود يراد به لاحقًا تصوير حالة التغير أو التحول الجماعي الإيجابي التي ستنتج في الأخير. كما يمكن أن نرى في اختيار النساء ليكُنَّ الفاعل الرئيسي في إدارة الأحداث أولًا، ثم في اتخاذ قرار الخروج في الأخير، اختيار يراد به تحويل ما يُعتقد أنه العنصر الأضعف في المجتمع إلى عنصر تقع على عاتقه مهمة الخروج بحل عجز عنه الرجال، الذين يُعدُّون في الحالة الواقعية، أو في الثقافة السائدة، العنصر الأقوى.
في القاعة ثلاث تجمعات نسائية تمثل القوى السياسية، شمال ووسط وجنوب الصالة. وتكشف الحوارات عن توجه كل مجموعة، وهي توجهات متباينة ومتعارضة وتصطف كل مجموعة مع من تتوافق مع هواها السياسي. وهو هوى سياسي؛ لأنه، في المرحلة الأولى، يبحث عن مصلحته الفردية أو الفئوية، ويغفل عن المصلحة الجماعية العليا. لكن المصير الواحد والمعاناة المشتركة تجعل هذه المجاميع الثلاثة تتوحد للخروج بحل. وفي هذه الإشارة السردية رسالة إلى واقعنا الحقيقي.
الحرب في رواية "عرس على صفيح ساخن" نقرأها في حوارات الشخصيات، وفي مواقفهم منها. أما موقف الرواية من الحرب فيتسم بالاعتدال فلم تنجر الرواية إلى استعمال الحرب كخطاب سياسي وإنما وظفتها كفن سردي لتقول من خلاله إن اليمن كلها هي قاعة العرس، وأننا جميعا ضحايا، وسنظل كذلك ما لم ندرك أن دور البطولة يكمن في تفعيل المصلحة العليا.
تكمن جمالية الرواية في هذه الرمزية وفي بروز صوت المرأة كفاعل حقيقي يملك مفاتيح الحل في النهاية. وفي الرواية دراما متصاعدة وإدارة للشخصيات والحوارات بما يكفل استبقاء القارئ حتى النهاية وهو يبحث عن مخرج للمأزق الذي تعاني منه شخوص الرواية، تلك الشخوص التي قد يجد فيها نفسه.
رواية أسفل رذاذ الليل- مخطوطة وفائزة بجائزة النشر
تسرد رواية "أسفل رذاذ الليل" لغسان خالد، حكاية ثلاثة أجيال يمنية. أحلام تلاشت في الجيل الأول وتسربت إلى الجيل التالي، واستُنفدت في الجيل الثالث، الذي انتهى إلى التيه ومخيمات النزوح.
تغرَّب الجيل الأول في أفريقيا، وتلاشى حلمه بوطن يجمع شتاته، وتغرب الجيل الذي يليه في وطنه، ومع كل جيل كان الإحساس بالوطن والشعور بالهوية والانتماء وسؤال الوجود يُفقد تدريجيًا. لا يُفطم الإنسان في طفولته من ثدي أمه فقط، بل يفطم من كل ما له علاقة بقيم الحرية والحياة لصالح أحلام السلاح.
إنها رواية التحولات الكبرى التي عصفت باليمن. وللمقارنة بين هذه الأجيال يعقد السارد مقارنة افتراضية تنبني على واقع، فيقول:
"لو أن صورة التقطت قبل سنوات، وأخرى التقطت اليوم، ستكون الصورة القديمة ملونة، والصورة الحديثة بالأبيض والأسود!"
تبدأ الرواية بالسارد المشارك، حسان الخالد (من الجيل الحاضر)، وهو يسرد تجربة عودته من مدينة عدن إلى قريته في ريف تعز، واختفاء والده بعد الحرب، وخراب المجتمع وانقسامه، وضغائن السياسة التي جعلته يفقد أمه بسبب أقرب الناس إليها. الكثير من السلوكيات تغيرت والكثير من القيم اختفت. يسعى الخالد لفهم وجوده بين كل هذه المتغيرات والخراب الكبير. وتشاركه هذا الهم راية صقراوي. والدها المهندس الزراعي ووالدتها الطبيبة العدنية يعودان إلى القرية، بعد أن دمر صاروخ منزلهم في عدن.
في القرية تبدأ العائلة حياة جديدة بافتتاح الطبيبة عيادة في القرية. تتوقف الرواية في القرية كمحطة نتعرف فيها على عالمها وناسها، ستحب شخصية الجد وشخصية شاجع وفمه الذي يفيض حكمة ويروي قصصا غرائبية بلغة ساحرة. لكن هذه الجنة الصغيرة لن تصمد طويلًا؛ ثمة شر قادم اسمه سالم!
تتسم الرواية بنفَسٍ سردي متدفق لم يفقد شحنته العاطفية من بداية الرواية حتى نهايتها، وتنقسم في المجمل إلى قسمين: رواية حسان الخالد، التي يرويها بضمير المتكلم، ورواية راية صقراوي التي تُسرد بضمير الغائب، السارد العليم، عن حياة راية في ثلاث محطات، تنتهي إلى محاولة مقارعة الشر بالشر ليزول الحاجز الفاصل وتتحول الضحية إلى جلاد.
تُسقطُ تفاحة الحرب آدم وحواء من جنة السلام، تشتت حسان الخالد وراية صقراوي، ليبرز السؤال في ذهن القارئ: هل سيلتقيان؟! وفي النهاية شبه المفتوحة ثمة حدث يفضي إلى دهشة وسؤال مفتوحة إجابته على الاحتمالات وتعدد الدلالات.
رواية إرث النكبة- مخطوطة وفازت بجائزة النشر
في رواية "إرث النكبة" لمحمد البردوني، ينطلق السرد من الحاضر، من خلال قراءة السارد محمد عبده لرسائل قديمة على تلفون محمول قديم تُذكِّره بما مضى. يستمر السارد العليم في وصف أحداث حياته وحياة إخوته اليومية. وعن طريق الاسترجاع يعود إلى الماضي ليتوقف عند محطات سياسية معينة أثَّرت على حياة الأسرة والمجتمع. من تلك المحطات حرب 94 وتدمير الناقلة الأمريكية كول والربيع العربي ثم الحرب الأخيرة.
تخبرنا هذه الرواية عن عواقب تلك الأحداث المدمرة والمصير الذي يمكن أن تفضي إليه فيما لو استمر الحال على النهج السياسي والاجتماعي نفسه. وفي سياق سرد الأحداث اليومية واسترجاع ما فات منها يعرض السارد قصة محاولة الأب الحصول على إرثه بعد وفاة أبيه الشاعر عبدالله البردوني. يتعمد السارد في البداية الإشارة بالتلميح إلى وصف الشاعر دون ذكر اسمه، ثم يذكره صراحة وينتهي إلى أن الإرث الحقيقي الذي تركه الشاعر لم يكن من الذهب والمال ولكنه الأدب والثقافة. هذا الإرث لم يكن نكبة حلت بالأسرة، كما أُشيع في الأسرة، كما لم تكن النكبة اللهو الذي مارسه بعض تجار ذمار في عدن.
النكبة التي حلت بالأسرة والمجتمع اليمني ككل كان سببها الإرث الناتج عن العنصرية المتبادلة بين المناطق اليمنية المختلفة، والسياسات الخاطئة والاقتتال والحروب المستمرة بين أبناء الشعب الواحد.
تتمثل بؤرة الصراع في مستويين: تجاري، قائم على المنافسة بين أصحاب محلات مناشر الحجارة الصغيرة وبين أصحاب المناشر الإلكترونية الكبيرة، وفي خلفية هذا الصراع أو التنافس الشريف أحيانًا ثمة صراع أكبر هو الصراع السياسي بين الشمال والجنوب ثم بين أطراف الصراع في الحاضر. هذا النزاع تحديدا يلقي بظلاله على المجتمع في شكل عنصرية متبادلة بين جميع الأطراف.
الرواية في الأساس اجتماعية، ولا ذكر للحرب إلا بوصفها خلفية محركة للأحداث. كما لا تقوم الرواية على حبكة واضحة، بل على سرد يومي ينبني التشويق فيه على المآلات المحتملة لهذه الأسرة. من ذلك إخفاء ما حدث لوالد محمد وسبب تصفية محله في قطع الأحجار أو نكبة والده الاقتصادية. مع ذلك ثمة ما يمكن أن يشد القارئ إلى متابعة القراءة لمعرفة مصير تجارة محمد وإخوته وسط مرحلة يحكمها قانون الحرب والتنافس بين المحلات الصغيرة والكبيرة.
القصة بسيطة، ومن خلالها تجيب عن سؤال الحرب: لماذا يذهب الناس إلى الحرب؟ لماذا يتركون أعمالهم وحياتهم ويذهبون إلى جبهات القتال؟ وكيف يمكن استعادتهم؟ أو كيف يعودون منها ولماذا؟ سنرى في المدرسة مثالًا للتكتلات المناطقية. وفي إغلاق المدرسة تمهيدا لفتح جبهات القتال أو تزامنًا معها. ويمكن أن نرى في أسرة محمد نموذجًا مصغرًا لليمن، وفي مدرسة العلفي نموذج آخر مصغر لحال اليمن وحال التعليم.
هي رواية سيرية، أو سيرة أسرة بعينها، لكن دلالاتها تنسحب على اليمن ككل. عن أسرة تريد الاحتكام إلى القانون وسط غابة يأكل فيها القوي الضعيف. والحال هذا تنتهي الرواية نهاية غير سعيدة، لكنها في الوقت نفسه تدق ناقوس الخطر بلسان حال يقول: يمكن تدارك الفاجعة والبدء من جديد، لكن برؤية وسياسات مناقضة تمامًا لتلك التي نقدتها الرواية بلغة سردية لماحة.